الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في وقت الجمعة، وإذا كان الإمام يؤخر الجمعة عن وقتها، هل يصلي الناس الظهر أربعا، أو ينتظرونه؟

                                                                                                                                                                                        أول وقت الجمعة إذا زالت الشمس، واختلف في آخر وقتها، فقيل: ما لم يدخل وقت العصر، فمن أخرها حتى دخل وقت العصر لم يصلها، وصلى الظهر أربعا، وذكر أبو محمد عبد الوهاب في الإشراف عن الشيخ أبي بكر الأبهري أنه قال: فإن صلى ركعة بسجدتيها قبل دخول وقت العصر، فإنه يتمها جمعة، وإن صلى دون ذلك بنى وأتمها ظهرا، وقيل: يصلي جمعة ما لم تصفر الشمس. وقال سحنون: ما لم يبق للغروب بعد الجمعة إلا أربع ركعات للعصر. وقال ابن القاسم: ما لم يبق إلا ركعة للعصر، وروى مطرف عن مالك: أنها تصلى ما بينهم وبين غروب الشمس، وإن لم يصل العصر إلا بعد الغروب.

                                                                                                                                                                                        وأما قول من قال: ما لم يدخل وقت العصر، فقد تقدم في باب: من نسي صلاة فذكر بعد أن صلى الجمعة، وقال سحنون: ربما تبين لي أن [ ص: 594 ] وقت الجمعة ما لم يبق من النهار إلا مقدار أربع ركعات للعصر، فذكر له قول من قال: وقتها ما لم تصفر الشمس، فأنكره ولم يقل به.

                                                                                                                                                                                        وقال مطرف عن مالك في الواضحة: لو أن إماما صلى الجمعة بغير خطبة سهوا أو عمدا لغيبة إمامهم، أن عليهم أن يعيدوا الصلاة بالخطبة ما بينهم وبين غروب الشمس، ولو لم يصلوا العصر إلا بعد غروب الشمس، قال ابن حبيب: وكان ابن الماجشون يرى وقتها ما بينه وبين العصر، فإن لم يصلوها حتى صلوا العصر، صلوا الظهر أربعا.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ: أما أول الوقت، فالأصل فيه حديث أنس قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الجمعة حين تميل الشمس" أخرجه البخاري. وحديث سلمة بن الأكوع قال: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس" أخرجه مسلم. وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة...". [ ص: 595 ]

                                                                                                                                                                                        والرواح: بعد الزوال، وأما حديث أبي سهيل بن مالك وقوله: "كنا نصلي الجمعة، ثم نرجع فنقيل قائلة الضحاء". فإنه يريد أن القائلة التي اعتادوا في غير الجمعة وهي قائلة الضحاء يجعلونها بعد انقضاء الجمعة; لأن التبكير إلى الجمعة يمنعهم منها، والضحاء الممدود: بعد الضحى.

                                                                                                                                                                                        وأما آخر وقتها، وهل تصلى بعد الاصفرار وعند الغروب فإنه لم يأت فيه حديث، إلا أن العمل كان على أنها تصلى في وقت الظهر المختار، وليس الوقت الضروري، فأجري وقتها مرة على ما ورد عليه العمل، فإذا ذهب ذلك الوقت لم تصل، وصليت ظهرا أربعا قياسا على العيدين أنها تصلى ضحوة إلى الزوال، فإذا زالت الشمس لم تصل، وكذلك صلاة الجمعة.

                                                                                                                                                                                        وأجري مرة على وقت الظهر في الضرورة والاختيار; لأن الظهر تسقط بوجوبها وتحل في وقتها، وإذا كان ذلك فيجب أن يؤتى بها في وقت إن خطب وصلى بقي للعصر ركعة، بمنزلة من كان عليه صلاتان -صلاة الظهر والعصر- وقد تقدم أن ذلك وقت للضرورة، وأبى أصحاب الاختيار تقدير الوقت لهم أن يصلوا الظهر وجميع العصر قبل الغروب، فإنه مؤثم إن صلى بعض العصر بعد الغروب، وإليه يرجع قول سحنون أن الوقت أن تصلى الجمعة وأربع [ ص: 596 ] ركعات قبل الغروب.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية