الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الصوم والإفطار بالشهادة، وخبر الواحد

                                                                                                                                                                                        الصوم والفطر يصح بثلاثة شروط: بالرؤية، فإن لم تكن رؤية فبالشهادة، فإن لم تكن شهادة فبإكمال العدة ثلاثين، والأصل في ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" أخرجه البخاري ومسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "... فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا وانسكوا".

                                                                                                                                                                                        والصيام بالشهادة ثلاث حالات:

                                                                                                                                                                                        فحالة يصام بشهادة رجلين، وحالة لا يكتفى بشهادة شاهدين. وحالة يصح الاقتصار فيها على شهادة واحد، على اختلاف في هذين القسمين، فيصح الاقتصار على شهادة رجلين في الغيم وإن عظم المصر، وفي الصحو في المصر الصغير، واختلف إذا كان الصحو، والمصر كبير.

                                                                                                                                                                                        واختلف في مواسم الحج، هل يكتفى في ذلك بشهادة شاهدين؟ والظاهر من قول مالك وغيره من أصحابه: الجواز، وروى ابن وضاح عن سحنون [ ص: 725 ] المنع، وقال: وأي ريبة أكبر من هذا؟ ولم يرو عنه في العدد الذي يكتفى به في ذلك شيء.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم: رأيت أهل مكة يذهبون في هلال الموسم مذهبا لا ندري من أين أخذوه، إنهم لا يقبلون إلا أربعين رجلا، قال: والقياس أنه يجوز فيه شاهدان، كالفروج والدماء، وهذا موافق لقول سحنون في أنه لا يكتفى بشاهدين.

                                                                                                                                                                                        فوجه الأول الحديث: "فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا وانسكوا" فعم ولم يخص، ومحمل جوابه -صلى الله عليه وسلم- على ما يكون بالمدينة وما يكون بالأمصار وغيرها إلى أن تقوم الساعة من الأمصار وغيرها، ولو لم يكن إلا قصر الحديث على أهل المدينة لكان فيه كفاية، فقد كان فيها خلق عظيم.

                                                                                                                                                                                        وأما ما ذكر عن سحنون وأهل مكة فله وجهان:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: أن الحديث مختلف في سنده.

                                                                                                                                                                                        والثانية: تقدمة القياس على خبر الواحد; لأن الغالب صدق العدد الكثير إذا قالوا: لم نر، ووهم الاثنين يصير من باب التعارض في الشهادات، ولو كان الاختلاف عن موضع واحد، حصروا النظر إليه، وأثبتوا الموضع بجدار [ ص: 726 ] أو شجرة أو ما أشبه ذلك مما يقتدى به لموضعه كان تكاذبا، وكان الأخذ بقول الجم الغفير والعدد الكثير أولى، وليس كذلك الشهادة على الفروج والدماء; لأنها شهادة واحدة، وإخبار عن أمر لم يشهده غيرهما فيدعي تكذيب ما شهدا به، ولو نزل مثل ذلك في القتل فشهد اثنان بالقتل وشهد عدد كثير بنفيه، لم يؤخذ بقول الشاهدين، إذا كانت الشهادتان عن موطن واحد.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية