فصل [أحوال المغمى عليه]
فإن كان الإغماء قبل طلوع الفجر متماديا إلى غروب الشمس لم يجزئه صوم ذلك اليوم، وإن كان الإغماء بعد طلوع الفجر وأغمي عليه أيسر النهار أجزأه، واختلف إذا كان الإغماء قبل الفجر والإفاقة بعده ولم يطل ذلك، فقال للمغمى عليه خمس حالات: حالة لا يجزئ معها الصوم، وحالة يجزئ، وثلاث مختلف فيهن، هل يجزئ معها الصوم أم لا؟ في المدونة: لا يجزئه، وفي سماع مالك عنه: أنه يجزئه. أشهب
واختلف إذا كان الإغماء بعد طلوع الفجر، والإفاقة نصف النهار أو أكثره فقال مالك في المدونة: يجزئه إذا أغمي عليه نصف النهار، ولا يجزئه في أكثره، وقال في كتاب إن أغمي عليه نصف النهار لم يجزئه، وقال [ ص: 755 ] أشهب: إن أغمي عليه أكثر النهار يقضي استحسانا، ولو اجتزأ به رجوت أن يجزئه، وقال ابن حبيب: يجزئه. ابن وهب:
قال الشيخ -رضي الله عنه-: وأرى أن لا يجزئه إلا أن يغمى عليه بعد الفجر أيسر النهار فيكون قد انعقد له أوله وتقرب إلى الله سبحانه بإمساك معظمه، ويعفى عما أغمي عليه فيه لقلته، ولا يجزئه إذا كان الإغماء قبل الفجر; لأنه لم يكن حينئذ من أهل التكليف، وهو بمنزلة المجنون وليس بمنزلة النائم; لأن النائم مخاطب ويقضي الصلاة وهذا لا يقضيها; لسقوط الخطاب عنه، وهو بمنزلة الصبي يحتلم في بعض النهار، وقول إن للمغمى عليه أن يأكل بقية يومه مما يؤيد هذا، وأن لا يجزئه إذا كان الإغماء بعد الفجر نصف النهار أو أكثره; لأن المراد من الصائم حبس نفسه عن الملاذ من طعام أو شراب وغير ذلك حسبة لله وابتغاء مرضاته، وهذه صفة لا توجد من المجنون ولا المغمى عليه. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- مخبرا عن ربه -عز وجل- في الصائم: "... ابن حبيب: الحديث. يدع طعامه وشرابه من أجلي..."
وقيل في معنى قوله تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة [البقرة: 45]: إنه الصوم، ويجري الجواب في المجنون إذا جن قبل الفجر أو بعده أيسر النهار أو أكثره على ما تقدم في المغمى عليه، وإن طلع الفجر على من به سكر أذهب عقله لم يجزئه صومه ذلك اليوم ولم يجز أن يفطر بقيته وإن كان غير جاز عنه. [ ص: 756 ]