الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في أصناف الكفارات، وهل هي على الترتيب أو التخيير؟ وعقوبة من أفطر في رمضان

                                                                                                                                                                                        اختلف في الصنف الذي يكفر به على أربعة أقوال: فقال مالك: يكفر بالإطعام، قال ابن القاسم: ولا يعرف مالك غير الإطعام، ولا يأخذ بالعتق ولا بالصوم، وقال: قال الله -عز وجل-: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين [البقرة: 184] فجعل الكفارة صنفا واحدا.

                                                                                                                                                                                        وذكر ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن مزين أنه جعل الكفارة عن الأكل ثلاثة أصناف: إطعام أو صوم أو عتق، قال: واستحب البداية بالإطعام ثم بالصوم ثم بالعتق.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو مصعب: إن أكل أو شرب فليس عليه كفارة إلا بالإطعام، وإنما العتق والصيام عن الجماع. وقال أشهب: يكفر بأي الأصناف الثلاثة شاء. ولم يفرق بين أن تكون الكفارة عن أكل أو جماع. وقال ابن حبيب: يكفر بالعتق أحب إلي، فإن لم يجد فبالصيام، فإن لم يستطع فبالإطعام.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: أما الكفارة عن الجماع فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها ثلاثة أصناف: عتق، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكينا.

                                                                                                                                                                                        واختلف عنه هل هي على الترتيب أو التخيير؟ فأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أنه قال: "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هلكت. فقال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال له: هل تجد رقبة [ ص: 800 ] فتعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟. قال: لا، قال: فأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق من تمر فقال: تصدق به..." الحديث.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو هريرة في الموطأ: "أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا"فجعله في الحديث الأول على الترتيب، وظاهر قوله في الحديث الثاني التخيير، وقد يجعل اللفظ في الحديث الثاني من قول أبي هريرة؛ ليجمع بين الحديثين، فيكون المعنى أنه أمره بعتق أو صيام عند عدم العتق، أو إطعام عند عدم القدرة على الصيام; ليزول التعارض; لأنه متى كان حديثان مفسر ومجمل رد المجمل إلى المفسر.

                                                                                                                                                                                        وجعل أبو مصعب الكفارة على قدر الجرم، ورأى أن المجترئ على الانتهاك بالجماع أعظم جرما ممن اجترأ على ذلك بالأكل، وقد تقدم القول في هذا فيمن أفطر بالنية ولم يأكل.

                                                                                                                                                                                        وإن كفر بالإطعام أطعم ستين مسكينا مدا مدا لكل مسكين، قال ابن القاسم: فإن أطعم ثلاثين مسكينا مدين مدين لم يجزئه.

                                                                                                                                                                                        ويختلف هل يكون من الصنف الذي يأكله المكفر، أو مما يأكله أهل البلد؟ حسبما تقدم في كفارة الأيمان. [ ص: 801 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية