فصل [فيمن نذر صيام سنة]
وإن نذر سنة بعينها صام منها ما كان يصام، وأفطر الأيام المنهي عنها، ولا قضاء عليه عن رمضان.
واختلف في فإن قال: لله علي أن أصوم هذه السنة، فإن سماها فقال: سنة سبعين أو ثمانين أو ما أشبه ذلك صام ما بقي منها قل أو كثر، ولا قضاء عليه عن الماضي، فإن قال: هذه السنة ولم يزد، فالقياس أن لا شيء عليه إلا صيام ما بقي منها كالأول. القضاء عن الأيام المنهي عنها،
وقال في "العتبية" فيمن حلف وهو في نصف سنة: إن فعل كذا وكذا ليصومن هذه السنة، قال: إن نوى باقيها فذلك له، وإن لم ينو شيئا ائتنف من يوم حلف اثني عشر شهرا. مالك
وفي هذا نظر; لأن قوله: هذه السنة، يقتضي التعريف، وهو بمنزلة من قال: لله علي أن أصلي هذا اليوم، فليس عليه إلا صلاة ما بقي منه، وإن قال [ ص: 806 ]
واختلف إذا ابتدأ لغير الهلال، فقال في المدونة: يصوم ثلاثين يوما، وقال لله علي أن أصوم شهرا، فابتدأه للهلال، فكان ذلك الشهر تسعة وعشرين يوما أجزأه. محمد بن عبد الحكم: القياس أن تجزئه تسعة وعشرون يوما، فليس عليه إلا أقل الشهور عدة، كما لو قال: لله علي أن أصوم أياما، كان عليه أقل الأيام; وهي ثلاثة، قال: وكذلك لو قال: صدقة دراهم.
قال الشيخ -رضي الله عنه-: وهذا أحسن للسنة والقياس، وهو أيضا أحد قولي فأما السنة فحديث مالك، -رضي الله عنها- قالت: عائشة "آلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من نسائه شهرا فاعتزلهن في مشربة تسعة وعشرين يوما، ثم نزل، فقيل له: آليت شهرا، وإنما أقمت تسعة وعشرين يوما؟ فقال: إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما".
وأما القياس، فلأن كون الشهر تسعة وعشرين يوما ليس بنادر، ونقصان شهور السنة متساويا أو متقاربا لتمامها، فلم يكن إلزامه أحدهما أولى من الآخر، وقياسا على قول فيمن قال: لله علي هدي، فإن الشاة تجزئه، والشاة أقل الهدايا، وللهدايا أعلى وأدنى، فأعلاها البدن، وأدناها الغنم، فإن لم يلزمه أعلى الهدايا لم يلزمه أتم الشهور. مالك
وإن قال: لله علي أن أصوم نصف شهر، فإن ابتدأ أول الهلال صام خمسة [ ص: 807 ] عشر يوما، وإن ابتدأه بعد مضي خمسة عشر يوما منه فكان ذلك الشهر تسعة وعشرين يوما أكمل خمسة عشر يوما.
وقال في كتابه: من أصحابنا من رأى الأربعة عشر التي صامها نصفا تاما، مثل من حلف: لا كلمتك في شهر، من قبل أن يمضي النصف منه، فكلمه بعد العصر من خمسة عشر يوما ثم نقص الشهر، فلا حنث عليه; لأن العمل في النصف الأول على خمسة عشر يوما ليس على أربعة عشر ونصف، قال: والأول أحوط. عبد الملك بن الماجشون
قال الشيخ -رضي الله عنه-: حقيقة نصف الشهر إذا كان ناقصا أربعة عشر يوما وليلة إلى طلوع الشمس، فإن لم يكلمه قبل طلوعها لم يحنث، هذا مقتضى اللفظ إلا أن يكون للحالف قصد فيحمل عليه; لأن من غروب الشمس إلى طلوعها نصف، ومن طلوعها إلى غروبها نصف، فأما الصوم فالنصف فيه أربعة عشر ونصف نهار الآخر; لأن قصد الحالف صيام النهار دون الليل، ففارق الحالف على الكلام، فيصوم خمسة عشر يوما; لأنه ليس يقصد أن يصوم بعض يوم. [ ص: 808 ]