الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل في مدة الاعتكاف

                                                                                                                                                                                        أقل الاعتكاف يوم، وأكثره عشرة أيام، والأصل في أقله حديث عمر قال: يا رسول الله، إني نذرت اعتكاف يوم في الجاهلية، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوف بنذرك".وفي أكثره حديث ابن عمر، وعائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان. فلا ينبغي أن يجاوز العشر; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أشد الناس عبادة، وقام حتى تورمت................ [ ص: 835 ] قدماه، ولم يجاوز باعتكافه عشرة أيام; إلا عندما رفعت ليلة القدر. والظاهر أنه زاد ليلة، ولنا فيه أسوة حسنة.

                                                                                                                                                                                        وإن نذر فوق ذلك لزمه الوفاء به ما لم يطل ذلك مما يرى أنه يضر بنفسه ضررا بينا فيرد الزائد على ما كان يجوز أن ينذره؛ لحديث سعد قال: "رد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التبتل".

                                                                                                                                                                                        وكره مالك في المدونة اعتكاف ما دون العشر. وقال في العتبية: ما أعرف اعتكاف يوم أو يومين من أمر الناس. وقال أيضا: لا بأس به. وهو أبين; لحديث عمر، والآخر استحسان وترغيب في الخير.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا نذر اعتكاف يوم، هل يلزمه أن يعتكف ليلة ذلك اليوم، أو يجزئه ذلك من طلوع الفجر؟ واختلف أيضا إذا نذر اعتكاف ليلة، هل يجزئه يوم وليلة، أو يسقط نذره فلا يلزمه شيء؟ فقال ابن القاسم: إذا نذر اعتكاف يوم أو اعتكاف ليلة - يلزمه أن يعتكف يوما وليلة، وساوى بين السؤالين.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون في كتاب ابنه: إن نذر اعتكاف ليلة لم يلزمه شيء، وإن نذر اعتكاف يوم لزمه أن [ ص: 836 ] يعتكف يوما وليلة، وإن دخل عند طلوع الفجر لم يجزئه.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا دخل قبل طلوع الفجر أجزأه. ولمالك في المبسوط مثله، وقول سحنون إذا نذر اعتكاف ليلة أحسن، ولا يلزمه أكثر مما ألزم نفسه، وإن كان يصح أن يؤتى به - وفى به، وإن كان ذلك مما لا يصح أن يؤتى به سقط نذره.

                                                                                                                                                                                        ويلزم على قول ابن القاسم أن يقول فيمن نذر أن يصلي ركعة: أن يأتي بركعتين، أو يصوم بعض يوم: أن يصوم يوما كاملا. وأما إن نذر يوما كاملا فالصحيح أن الليل غير داخل في النذر. قال الله -عز وجل-: سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام [الحاقة: 7]. ولا خلاف أن ذلك العذاب لم يكن خمسة عشر يوما، وإنما كان ابتداؤه نهارا وخاتمته نهارا، فكانت الأيام ثمانية، والليالي سبعة. وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يدخل معتكفه إذا صلى الصبح، ففيه دليل على جواز اعتكاف اليوم دون الليل.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية