فصل [في الموالاة في الطهارة من الحدثين وما يعرض لها]
وينبغي فإن غلب على ذلك بعد أن أخذ من الماء قدر ما يكفيه، ثم غصبه أو أهراق له، جاز أن يبني له على ما مضى منه وإن بعد طلبه للماء. موالاة الوضوء والغسل،
واختلف إذا فرقه متعمدا أو ناسيا على أربعة أقوال، فقال مالك إن فرقه ناسيا أجزأه، وإن تعمد فرقه لم يجزئه . وابن القاسم:
وقال : لا يجزئه ناسيا كان أو متعمدا. ابن وهب
وقال محمد بن عبد الحكم: يجزئه في الوجهين جميعا في العمد والنسيان. ولمالك عند ابن حبيب قول رابع: أنه إن فرق ناسيا لم يجزئه في المغسول ويجزئه في الممسوح.
وروي عن - رضي الله عنه - " أنه كان يتوضأ بالسوق إلا غسل رجليه، ثم دعي إلى جنازة ليصلي عليها حين دخل المسجد، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها" . ابن عمر
وفي سماع عن ابن وهب أنه قال في رجل مالك يستأنف الوضوء أحب إلي، فإن غسل رجليه رجوت أن يجزئه . [ ص: 98 ] مسح على خفيه ثم نزعهما وأقام طويلا:
وكلا هذين القولين موافق لما ذهب إليه محمد بن عبد الحكم، وقد قيل: لا حجة في فعل لأنه كانت في رجليه علة. وهذا غير صحيح; لأنه كان يغسل رجليه، فإن كان له عذر ولم يجد من يغسلهما له لم يجز أن يبتدئ الوضوء إلا في الوقت الذي يتيسر له فيه غسل رجليه; إذ البداءة بالوضوء قبل ذلك غير مفيد; إذ كان لا يستبيح الصلاة إلا بعد تمامه، مع كونه يعلم أن ذلك لا يتعذر عليه في السوق، وظاهر القرآن يقتضي الموالاة لقوله تعالى: ابن عمر; إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [المائدة: 6] ، فكان ذلك لحق الصلاة إذا قام إليها; لأنه لا يصح أن يصلي ببعض الطهارة.
فأما إذا رأى أن يتوضأ قبل دخول الوقت أو بعده ولا يتلبس بالصلاة حينئذ، فأتى به متفرقا فإنه يجزئه، لأنه داخل في امتثال ما أمر المصلي به أنه لا يصلي إلا بطهارة في أعضاء وقد فعل.
فأما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في مرة واحدة; فإن الإتيان به في مرة أسهل على المتوضئ والمغتسل من تفرقته، وهذا موجود في النفوس أنه متى شرع الإنسان في الغسل وفي الوضوء لا يجب ترك بعضه ليأتي به في زمن آخر، ولو كان الفرض من الله سبحانه أن يؤتى به متفرقا لكان ذلك أشق من الإتيان به في مرة واحدة ، وهو في زمن البرد أشد، وهو في الغسل إذا فرقه أعظم مشقة. [ ص: 99 ]