الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الموالاة في الطهارة من الحدثين وما يعرض لها]

                                                                                                                                                                                        وينبغي موالاة الوضوء والغسل، فإن غلب على ذلك بعد أن أخذ من الماء قدر ما يكفيه، ثم غصبه أو أهراق له، جاز أن يبني له على ما مضى منه وإن بعد طلبه للماء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا فرقه متعمدا أو ناسيا على أربعة أقوال، فقال مالك وابن القاسم: إن فرقه ناسيا أجزأه، وإن تعمد فرقه لم يجزئه .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن وهب : لا يجزئه ناسيا كان أو متعمدا.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن عبد الحكم: يجزئه في الوجهين جميعا في العمد والنسيان. ولمالك عند ابن حبيب قول رابع: أنه إن فرق ناسيا لم يجزئه في المغسول ويجزئه في الممسوح.

                                                                                                                                                                                        وروي عن ابن عمر - رضي الله عنه - " أنه كان يتوضأ بالسوق إلا غسل رجليه، ثم دعي إلى جنازة ليصلي عليها حين دخل المسجد، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها" .

                                                                                                                                                                                        وفي سماع ابن وهب عن مالك أنه قال في رجل مسح على خفيه ثم نزعهما وأقام طويلا: يستأنف الوضوء أحب إلي، فإن غسل رجليه رجوت أن يجزئه . [ ص: 98 ]

                                                                                                                                                                                        وكلا هذين القولين موافق لما ذهب إليه محمد بن عبد الحكم، وقد قيل: لا حجة في فعل ابن عمر; لأنه كانت في رجليه علة. وهذا غير صحيح; لأنه كان يغسل رجليه، فإن كان له عذر ولم يجد من يغسلهما له لم يجز أن يبتدئ الوضوء إلا في الوقت الذي يتيسر له فيه غسل رجليه; إذ البداءة بالوضوء قبل ذلك غير مفيد; إذ كان لا يستبيح الصلاة إلا بعد تمامه، مع كونه يعلم أن ذلك لا يتعذر عليه في السوق، وظاهر القرآن يقتضي الموالاة لقوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم [المائدة: 6] ، فكان ذلك لحق الصلاة إذا قام إليها; لأنه لا يصح أن يصلي ببعض الطهارة.

                                                                                                                                                                                        فأما إذا رأى أن يتوضأ قبل دخول الوقت أو بعده ولا يتلبس بالصلاة حينئذ، فأتى به متفرقا فإنه يجزئه، لأنه داخل في امتثال ما أمر المصلي به أنه لا يصلي إلا بطهارة في أعضاء وقد فعل.

                                                                                                                                                                                        فأما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في مرة واحدة; فإن الإتيان به في مرة أسهل على المتوضئ والمغتسل من تفرقته، وهذا موجود في النفوس أنه متى شرع الإنسان في الغسل وفي الوضوء لا يجب ترك بعضه ليأتي به في زمن آخر، ولو كان الفرض من الله سبحانه أن يؤتى به متفرقا لكان ذلك أشق من الإتيان به في مرة واحدة ، وهو في زمن البرد أشد، وهو في الغسل إذا فرقه أعظم مشقة. [ ص: 99 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية