الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [القول في المعادن وملكها وإقطاعها وأخذ الزكاة مما يخرج منها من ذهب أو ورق]

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول أنه لمالكه إذا أعطاه لمن يعمل فيه على معاوضة في الصفة التي يجوز أن يعطى عليها ، وعلى ملك من يزكي ، فأنزله ابن الماجشون وغيره بمنزلة من أعطى مالا قراضا ، أو مساقاة ، وأجاز أن يعطي المعدن على جزء نصف ، أو ثلث ، أو ربع ، أو بأجرة يأخذها العامل ، فيكون ما أخرج لمالكه . فأنزله مالك ، وأشهب ، وسحنون بمنزلة من أكرى أرضه بأجرة معلومة يأخذها صاحبها ، فيكون ما أخرج للعامل ، ويزكي على ملك العامل . وأجاز في كتاب محمد أن يعطى على الثلث ، والخمس ، ويجوز على هذا أن يعطى بأجرة يأخذها العامل ويكون ما أخرج لمالكه .

                                                                                                                                                                                        وأجاز مالك في كتاب ابن سحنون للإمام أن يعطي المعدن لمن يعمل فيه على شيء معلوم يؤديه إليه بمنزلة من أكرى أرضه . وقال أشهب في كتاب محمد ، في أهل الصلح يسلمون وفي أيديهم معدن ، فيأذنون لمن يعمل فيه من سواهم : فلا بد من زكاة ذلك . قال : وكذلك من عاملهم عليها قبل [ ص: 958 ] الإسلام إن كان مسلما يؤدي زكاته بمنزلة من اكترى منهم أرضهم . فيه فائدتان : أنه يزكيه المسلم وإن كان في الأصل للكافر ، وأنه بمنزلة الاكتراء ، ولا يجوز على هذا أن يعطيه بجزء مما يخرجه ، إلا على قول الليث في كراء الأرض بالجزء ، ويمنع على قول ابن القاسم ، أن يعطى معدن الذهب بذهب ، كما يمنع من كراء الأرض بالحنطة لمن يزرعها حنطة ، ويمنع من كرائها بفضة كما يمنع من كراء الأرض بالعسل والملح . واختلف عبد الملك وسحنون في زكاته ، فقال عبد الملك : إذا أعطى لمن يعمل فيه ، فالشركاء فيما خرج منه كالواحد ، والعبد فيه كالحر ، والذمي كالمسلم فإنما يزكى على ملك صاحبه .

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون : هو كالزرع ليس على عبد ولا على ذمي فيه شيء ، وحكم الإشراك فيه حكمهم في الزرع . والأول أحسن ؛ لأن ما يؤخذ من المعدن قد كان فيه موجودا ، فلم يخرج العامل فيه من عنده شيئا ، وإنما حفر عن شيء موجود حتى كشف عنه ، فالذي كان فيه موجودا ، هو الذي يزكى ، ومكتري الأرض أخرج من عنده الزريعة ووضعها في الأرض ، وهي التي نبتت ، وإذا كان ذلك ؛ وجب أن يزكى المعدن على ملك صاحبه . [ ص: 959 ]

                                                                                                                                                                                        فإن كان لحر مسلم ؛ زكي ، وإن كان العامل عبدا ، أو ذميا ، أو جماعة . وإن كان المعدن لذمي ؛ لم يزك العامل وإن كان حرا مسلما . وفي كتاب الشركة ذكر بيع المعادن ، وموت من أقطعت له . [ ص: 960 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية