الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن تعدى الميقات]

                                                                                                                                                                                        تعدي الميقات على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                        فمن تعداه وهو يريد دخول مكة لحج أو لعمرة كان عليه الدم .

                                                                                                                                                                                        وإن كان يريد دخولها لا لحج ولا لعمرة ، ثم بدا له بعد أن جاوز الميقات فأحرم بحج أو بعمرة ؛ لم يكن عليه دم . وقال في كتاب محمد : عليه الدم ، وإن كان لا يريد دخولها ثم بدا له أن يدخلها فأحرم فلا دم عليه . وقال أيضا [ ص: 1161 ] فيمن تعدى الميقات وهو صرورة ، ثم أحرم : فعليه الدم .

                                                                                                                                                                                        ولم يفرق بين أن يكون يريد دخول مكة أو لا ، وجعل الفرض على الفور . وحكى أبو محمد عبد الوهاب عنه أن على من دخل مكة حلالا الدم .

                                                                                                                                                                                        وعلى هذا يصح قوله في كتاب محمد فيمن جاوز الميقات وهو يريد دخول مكة ، ثم أحرم أن عليه الدم .

                                                                                                                                                                                        والصواب : ألا دم إلا على من أراد الحج أو العمرة ، ومن تعدى الميقات وهو يريد الإحرام رجع ما لم يحرم ، أو يخاف فوات أصحابه ، ولا يجد من يصحبه ، أو يشارف مكة ، فإنه يمضي ويهدي .

                                                                                                                                                                                        واختلف فيمن تعدى الميقات ثم أحرم بالحج ثم فاته الحج ، فقال ابن القاسم : لا دم عليه ؛ لتعدي الميقات . وقال أشهب : عليه الدم .

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن ؛ لأنه صار أمره إلى عمرة ، ولم يتعد الميقات ، فيجب لها الدم ، وإنما تعدى في الحج ولم يتم .

                                                                                                                                                                                        واختلف في المريض من أهل المدينة يريد الحج ، فقال مالك في كتاب محمد : لا ينبغي لمن جاوز الميقات أن يؤخر الإحرام لما يرجو من قوة ، ويحرم ، فإن احتاج إلى شيء افتدى ، وقال أيضا : لا بأس أن يؤخر إلى الجحفة .

                                                                                                                                                                                        والأول أقيس ، وهو مخاطب بالإحرام من ميقاته ، فإن احتاج إلى شيء من المخيط أو تغطية الرأس فعل وافتدى . [ ص: 1162 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف في الإحرام قبل الميقات ، فأجاز ذلك مالك مرة ، وحمل الحديث في الإحرام من الميقات أنه تخفيف ، فمن فعل فقد زاد خيرا . وكره ذلك مرة ، ورأى أن الميقات سنة لا تقدم ولا تأخر عنه . وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة . وقد أحرم ابن عمر - رضي الله عنه - من الشام ، وكان الأسود وعلقمة وعبد الرحمن وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم .

                                                                                                                                                                                        ولا خلاف أنه إن فعل فأحرم قبل الميقات في أشهر الحج بالحج ، أو أحرم في غير أشهر الحج بالعمرة أن إحرامه منعقد . قال محمد : ومن أحرم بالحج أو العمرة ؛ فلا يقيم بأرضه ، إلا إقامة المسافر .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية