الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في النحر بمنى]

                                                                                                                                                                                        النحر والذبح بمنى ومكة مختلف ، فأما منى فيختص ذلك فيها بأيام معلومة ؛ وهي : يوم النحر ويومان بعده ، فإن ذهبت لم تكن منحرا ولا مذبحا إلا لمثله من قابل . وأما مكة فكل أيام السنة منحر ومذبح . ومن كان معه هدي في الحج ، وفاته أن ينحره بمنى في تلك الأيام ، نحره بمكة .

                                                                                                                                                                                        ويفترقان أيضا في وجه آخر : أنه لا ينحر بمنى عند مالك إلا إذا وقف به بعرفة . وأجاز ابن الماجشون أن ينحر بمنى وإن لم يوقف به ، وهو أحسن ؛ لأن [ ص: 1234 ] الهدي لم يتقيد بوقوف ، ولا تعبد الناس فيه بذلك ، وما روي من كون هدايا الناس معهم في الموقف ، فلأن ذلك لأن منى لم يكن بها ساكن يحفظها فيها إن بات هناك ، والناس حينئذ بعرفة ، فلو تركت بمنى لضاعت .

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول أن من شرط النحر بمنى الوقوف به في ثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                                        أحدها : إذا ساق الهدي في حج فضل قبل الوقوف ثم وجده في أيام منى ، فنحره بمكة .

                                                                                                                                                                                        والثاني : إذا أوقفه ثم ضل ، فوجده بعد أيام منى .

                                                                                                                                                                                        والثالث : إذا أوقفه ، ثم نحره بمكة في أيام منى أو بعدها ، هل يجزئه في جميع ذلك ؟ فقيل : يجزئه ، ولا بدل عليه . وقيل : عليه البدل ؛ لأنه لما ساقه في حج وجب نحره بمنى ، فلما لم ينحر بها لم يجزئه . وقال أشهب : إن فاته الوقوف نحره بمكة ، وأجزأه ، وإن كان في أيام منى ، وإن وقف به لم يجزئه بمكة في أيام منى ، وإن كان بعد أن ذهبت أيام منى أجزأه .

                                                                                                                                                                                        وإنما لم يجب عند البدل إذا لم يقف به أو وقف وخرجت أيام منى ؛ لأن الحكم أن ينحر بمكة ، وإذا وقف به ولم تخرج أيام منى كان الحكم أن ينحره بمنى ، فإن ترك منى ونحره بمكة كان متعديا وأبدله . وأرى أن يجزئ ذلك كله ؛ لأنها مواضع للذبح ، وكلها يتقرب إلى الله تعالى فيها بالذبح ، ولا خلاف أن لمن أتى بجزاء الصيد في الحج أن ينحره بمنى ، وإن خالف نص القرآن ؛ [ ص: 1235 ] لقوله تعالى : بالغ الكعبة [المائدة : 95] وإذا جاز ذلك مع مخالفة النص جاز أن ينحر بمكة ما كان حكمه أن ينحر بمنى .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن كان عليه جزاء صيد في عمرته ، أو في شيء نقصه في عمرته ، فأوقفه بعرفة ، ثم نحره بمنى : أجزأه .

                                                                                                                                                                                        فبان بهذا أن هذه كلها منحر ، ينوب بعضها عن بعض .

                                                                                                                                                                                        وتنحر الإبل قياما مقيدة ، فتقيد لقوله تعالى : صواف [الحج : 36] ، أي : تصف أيديها بالقيود ، وقائمة لقوله : فإذا وجبت جنوبها [الحج : 36] ووجوبها : سقوطها إلى الأرض بعد النحر ، وفي البخاري : أن ابن عمر مر على رجل أناخ بدنته لينحرها ، فقال : "ابعثها قائمة مقيدة ، سنة محمد - صلى الله عليه وسلم -" .

                                                                                                                                                                                        وتضجع الغنم للذبح ، وكذلك البقر إن ذبحت ، وإن نحرت نحرت قياما .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية