الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في جرح المحرم الصيد]

                                                                                                                                                                                        وإذا جرح المحرم صيدا ثم نجا بنفسه ، فإن أنفذ مقاتله ؛ كان له حكم الميت ، وفيه الجزاء . وإن أصاب منه موضعا الغالب حياته ؛ لم يجب جزاؤه . وإن أشكل أمره لاحتمال حال الجرح ، أو لأنه لا يعلم كيف كان ؛ ففيه قولان : فقال محمد : عليه الجزاء . ولم يعتبر صفة الجرح . وفي المدونة قال مالك : من جرح صيدا وهو محرم ، فغاب الصيد وهو مجروح ؛ فعليه الجزاء كاملا .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب : إن أصابه ما يموت به فليوده ، وإلا لم يوده . وهذا أقيس ؛ لأن الأصل براءة الذمة ، وأنه على الحياة حتى يثبت هلاكه . والأول استحسان ، وأخذ بالأحوط . [ ص: 1326 ]

                                                                                                                                                                                        ويستحب أن يؤخر الجزاء ؛ لإمكان أن يكون لم يعجل له الموت . فإن أخرج جزاءه فرآه حيا بعد طول ، وما يرى أنه كان يموت منه لم يبق تلك المدة ؛ لم يكن عليه شيء . وإن كان ذلك بقرب ، ولم يرتفع الشك ؛ استحسن له أن يخرجه بعد أن يمهل ، ولا يعجل بذلك .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا علمت حياته ، وكان قد أبان له عضوا ، أو شانه فقال ابن القاسم في المدونة لا شيء عليه . وقال في كتاب محمد : عليه ما نقصه . وقاله أشهب .

                                                                                                                                                                                        وهو أحسن ؛ لأنه منهي عن أن يصيبه بأذى وغيره ، وقد جعل الله عقوبة من أتلف النفس الجزاء أو القيمة ، فيقاس تلف الأعضاء عليه ، فيغرم قيمة ما أتلف أو أفسد .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في محرم صاد طيرا فنتفه ، ثم حبسه حتى انسل فطار : فلا شيء عليه .

                                                                                                                                                                                        قال محمد : يضعه في موضع ينسل فيه ، ثم عليه جزاؤه . وقال ابن حبيب : يحبسه حتى يعود ريشه ، ثم يرسله ، ويطعم مسكينا ، فإن غاب قبل أن ينسل وخيف عطبه ؛ فليوده . ويختلف على هذا إذا جرح صيدا فلم يستطع النجاة ، هل يحبسه حتى يبرأ ، أو يرسله ويغرم جزاءه ؟ فإن حبسه لم يغرم الآن شيئا . فإن برئ بغير شين ؛ فلا شيء عليه . وإن بقي به شين ؛ غرم ما نقصه . [ ص: 1327 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية