الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن اشترى من أرض الحرب متاعا لمسلم أو حر ، ومن فيه عقد حرية : أم ولد أو مدبر أو مكاتب أو معتق إلى أجل ، أو اشترى زوجته ، أو أحدا من أقاربه

                                                                                                                                                                                        ومن دخل دار الحرب فاشترى عبدا لمسلم ، أو وهب له كان لسيده أن يأخذه إن كان اشتراه بعد دفع الثمن الذي اشتراه به ، فإن كان الثمن عينا أخذ بمثله . وإن كان عرضا أو شيئا مما يكال أو يوزن ؛ أخذ بقيمته في ذلك الموضع الذي اشتراه به ، وإن وهب له وكافأ عليه ؛ كان بمنزلة ما لو اشتراه . وإن لم يكافئ ؛ أخذه سيده بغير شيء .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يعلم سيده ؛ حتى باعه من أتى به من أرض العدو ، فقال ابن القاسم : البيع ماض ، وسواء كان اشتراه أو وهب له ، ويرجع المستحق على البائع إن كان ابتاعه بفضل الثمن ، إن كان فيه فضل . وإن لم يكن فيه فضل ؛ فلا شيء له . وإن كان وهب له ؛ أخذ منه الثمن الذي باعه به .

                                                                                                                                                                                        وقال غيره : له أن ينقض البيع إذا وهب له بعد أن يدفع إلى المشتري ثمنه ، ورجع هو على البائع بما قبض منه ، وفرق بين الهبة والبيع . [ ص: 1379 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن نافع : لو أعتقه الموهوب له ، ولم يكن أثاب عنه كان عتقه باطلا .

                                                                                                                                                                                        وإن أثاب عنه أو كان اشتراه مضى عتقه بمنزلة ما لو اشترى من المغنم .

                                                                                                                                                                                        ويختلف فيه أيضا : إذا كان اشتراه من أرض الحرب ، ثم باعه مشتريه فلا يكون البيع فوتا قياسا على ما بيع في المغانم ، ثم باعه مشتريه ، أن للمستحق أن يرد البيع الثاني ، والأمر فيهما واحد .

                                                                                                                                                                                        وأن يأخذه بعد دفع الثمن أحسن ، وقد تقدم وجه ذلك .

                                                                                                                                                                                        ويختلف أيضا : إذا أعتقه المشتري ، أو كانت أمة فأولدها ، فعلى قول ابن القاسم : أن ذلك فوت .

                                                                                                                                                                                        وعلى قول أشهب : أن ذلك ليس بفوت . وهو أحسن .

                                                                                                                                                                                        وإن اشترى من بلد الحرب حرا ، وهو عالم أنه حر ، أو غير عالم بإذنه أو بغير إذنه ؛ كان له أن يتبعه بالثمن ؛ لأنه لم يكن له أن يبقى بدار الكفر في حال الأسر مع القدرة على الخروج ، إلا أن يقول : كنت قادرا على التحيل لنفسي ، والخروج بغير شيء ، ويعلم دليل صدقه ، فلا يتبع إذا افتداه بغير أمره ، وبغير علمه .

                                                                                                                                                                                        فإن قال : كنت أفتدي نفسي بدون هذا ، وتبين صدقه ؛ اتبع بما كان يرى أنه [ ص: 1380 ] يفتدي نفسه به ، وسقط الزائد .

                                                                                                                                                                                        وإن كان عالما بافتدائه ، ولم ينكر عليه ؛ اتبعه وإن كان قادرا على الخروج بغير شيء ، أو بدون ذلك ؛ لأن ذلك رضا منه ، فيكون أحق بالمال الذي كان معه من غرمائه .

                                                                                                                                                                                        واختلف في المال الذي كان خلفه ، فقيل : يكون حصاصا بينه وبينهم .

                                                                                                                                                                                        وقال عبد الملك : الذي افتداه أحق به .

                                                                                                                                                                                        ويلزم على قوله : أن يفتدى بهذا المال الذي خلفه ، فيبعث لافتدائه ، وإن كره غرماؤه . وهذا لتغليب أحد الضررين فيما يناله من العدو أو يخشى عليه أن يفتن في دينه . فإن لم يوجد له شيء ؛ اتبع متى أيسر .

                                                                                                                                                                                        والقياس أن يأخذ ما افتداه به من بيت المال ، فإن لم يكن بيت مال فمن جميع المسلمين .

                                                                                                                                                                                        وهذا أصل المذهب ؛ لأن فداءه كان واجبا على الإمام ، يبعث بذلك من بيت المال ، فإن لم يكن فعلى جماعة المسلمين أن يفتدوه . قال مالك : ذلك على المسلمين ، ولو بجميع أموالهم .

                                                                                                                                                                                        وإذا كان ذلك واجبا عليهم ابتداء وهو ببلد الحرب ؛ كان لمن أتى به أن يرجع بذلك الفداء على من كان يجب عليه ، وهو بأرض الحرب قبل أن يفتدي . [ ص: 1381 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن اشترى عبدا من العدو ، فلما قدم به تكلم بالعربية ، وأقام البينة أنه حر : إنه يغرم لمشتريه الثمن الذي اشتراه به ، وإن لم يكن عنده اتبع به دينا .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية