فصل [في صفة ما يحل من الأشربة]
كل شراب ليس بمسكر، ولم يصنع على صفة يسرع إليها الإسكار، ولا صار إلى حالة يشك فيه: هل يسكر أم لا؟ حلال.
ولا خلاف في ذلك، ثم هو فيما يندب إليه من تعجيل شربه وتأخيره مختلف: فإن لم تمسه النار فإنه يستحب ألا يؤخر عن ثلاثة أيام من يوم انتباذه; لحديث ، قال: ابن عباس . أخرجه [ ص: 1617 ] "كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ينقع له الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالث، ثم يأمر به فيسقى أو يهراق" . وقد روي عنه أنه كان يهريقه في دون هذه المدة. مسلم
ويعتبر في ذلك النبيذ في نفسه والوقت الذي ينتبذ أو ينقع فيه، فليس فضيخ البسر كالتمر، ولا التمر كالعنب، ولا العنب كالزبيب، ولا الصيف فيما يخشى منه السكر كالشتاء والربيع، وإنما يراعى كل واحد منهما في نفسه، فإذا كان الغالب من مثل ذلك النبيذ أو النقيع في مثل ذلك الزمن وتلك المدة أنه لا يسكر، ولا صار إلى حالة يشك فيه- حلال.
وإن مسته النار ولم يبالغ في صنعته، وكان يخشى منه أن يكون مسكرا- نظر أيضا إلى الحالة التي يؤمن ذلك فيها في ذلك الوقت.
واختلف إذا غلى; فلم يمنع ذلك في الكتاب، ولا كرهه، وقال: حده ما لم يسكر . وقال : كرهه بعض ابن حبيب الصحابة إذا غلى .
وهو أحسن، وليس القول: إن حده ما لم يسكر; بالبين، إذا كان لا يعرف ذلك إلا بالاختبار; لأنه لا يدري في وقت الاختبار: هل يشرب حلالا أو حراما؟ إلا أن يقدر على معرفة ذلك بدلائل من غير شرب، وإن بولغ في طبخه حتى صار إلى أن يؤمن السكر منه- جاز شربه وإن طالت المدة.
واختلف: هل له حد يؤمن ذلك منه إذا بلغه؟
فقيل: إذا ذهب ثلثاه، وبقي الثلث- فإنه لا يسكر. [ ص: 1618 ]
وقال : حده إذا طبخ فلم يسكر، قال مالك : ولم يلتفت إلى ثلثين من ثلث . ابن القاسم
وقال : لا يجوز إلا باجتماع وجهين: ابن حبيب
أن يذهب ثلثاه في الطبخ، ويوقن أنه لا يسكر.
وقال محمد : أكثر ما يعرف من العصير إذا طبخ فذهب ثلثاه إلا ثخن وخل، ولم يسكر . قال: وليس ذلك في كل عصير، ولا في كل بلد .
قال الشيخ: وهذا كالأول، أنه إن كان هناك علامة يعلم بها من غير شرب، وليس أن يجرب في الشرب، وقول محمد : إنه ليس ذلك في كل عصير ولا في كل بلد- أحسن; لأن الأعناب تختلف، وبعضها أكثر عسلية وأقوى، وبعضها قليل العسل، وبلدان حارة فهي تزيد في حفظه وتقويته، وبلدان باردة فيحلله الهواء مع البقاء.
وهذا في عصير العنب. وأما الزبيب والتمر فيجتهد فيهما أيضا، وليس يحد بثلث ولا غيره; لأن الذي تكلم عليه القوم عصير العنب الذي الماء فيه مخلوق، وإنما يقع التبعيض بالنار من الماء المخلوق فيه، وهذا يلقى عليه الماء [ ص: 1619 ] فينظر إلى العادة في مثله على قدر الماء الذي يضاف إليه، ومثل هذه الأشربة التي تعمل من السكر للأدوية، وقد جرت عادة عند الذين يعملونها أنها إذا بلغت حدا أمن عليها إذا بقيت أن تسكر.