الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في ذكر ما نهي عنه من نبيذ الأوعية]

                                                                                                                                                                                        ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الانتباذ في أربع: الدباء، والنقير، والمزفت، والمقير .

                                                                                                                                                                                        فالنقير: ما عمل من خشب. والمزفت: ما عمل ما داخله بالزفت. والمقير: ما عمل بالقار.

                                                                                                                                                                                        والمنع في جميع ذلك حماية; لئلا تسرع بالشدة، ثم نسخ ذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فكلوا وادخروا، ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا، وكل مسكر حرام، ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا" . [ ص: 1624 ]

                                                                                                                                                                                        قال مالك : إنما أريد الانتباذ في هذه الأوعية; لأنها تسرع بوجود الشدة، ثم وكلهم إلى أمانتهم فيها.

                                                                                                                                                                                        فأخذ مالك بالحديث الأول. وأخذ ابن حبيب بالآخر، وقال: ما كان بين نهيه ورخصته فيها إلا جمعة . يريد: لم يكن المنع إلا جمعة، ثم نسخ.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول بمنع الانتباذ في هذه الأوعية: هل يشرب ما نبذ فيها؟ فمنع ذلك محمد ، وقال: يؤدب فيه، وفي الخليطين . وسوى بينهما في الجواب.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو محمد عبد الوهاب : إن سلم من الشدة فلا بأس . وهو أحسن، وهو في هذا أخف من الخليطين; لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من النص على إباحته.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم : قال مالك في الخمر تجعل فيها الحيتان، فتصير مريا : لا أرى أكله. وكرهه . وقال ابن حبيب : هو حرام. وقول مالك أحسن; لأن الشدة ذهبت بما طرح فيه وبطول الأمد، كما لو صار خلا بشيء طرح فيه وأفسد الشدة . ولا فرق بين أن يصير خلا بنفسه أو يطرح فيه شيء فيصير [ ص: 1625 ] خلا أو مريا; لأن تلك الأعراض قد ذهبت وأخلفتها أعراض غيرها.

                                                                                                                                                                                        وفي البخاري قال أبو الدرداء - رضي الله عنه - في المري: ذبح الخمر النينان والشمس . يريد: أنه إذا طرح النينان وهي الحيتان، وجعل في الشمس حتى حولته حتى صارت مريا; صار حلالا، وصار ذلك فيه كالذكاة فيما كان حراما قبل الذكاة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية