الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الهدايا وما يمنع منها

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن قال "علي هدي": يهدي بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد وقصرت النفقة فشاة، وإن قال: لله علي بدنة; كانت من الإبل. فإن لم يجد وقصرت النفقة; فبقرة، فإن لم يجد; فسبع من الغنم .

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في هذين السؤالين، فقال في كتاب الحج، فيمن قال "علي هدي": الشاة تجزئ . وقد اختلف في هذا الأصل: هل تبرأ الذمة بأعلى ذلك المنذور، أو بأقله؟

                                                                                                                                                                                        فقال فيمن نذر صوم شهر، فصامه لغير الهلال: إنه يصومه ثلاثين يوما . وهذا مثل قوله في الهدي: أنه يهدي بدنة، ولا يهدي الشاة، إلا عند عدم القدرة للبدنة وللبقرة . وقال محمد بن عبد الحكم : تجزئه تسعة وعشرون يوما، وهذا مثل أحد قولي مالك أنه تجزئه الشاة ابتداء، وقد تقدم وجه ذلك في كتاب الصوم.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: لله علي بدنة، فقصرت النفقة; فقال ابن نافع : لا تجزئه البقرة ولا تجزئه إلا بدنة من الإبل ولا يجزئه إلا ما نذر. وقال الخليل : البقر من البدن . [ ص: 1664 ]

                                                                                                                                                                                        وقول ابن نافع أحسن; لأن الناس لا يعرفون البدن إلا من الإبل، وهي التي يقصد الناذر.

                                                                                                                                                                                        وقول مالك استحسان، لحديث جابر ، قال: "نحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة" . وجعل أحدهما يسد مسد الآخر. وكذلك قوله: إذا عدمت البقرة، أو قصرت النفقة: إنه يهدي سبعا من الغنم; لأن الهدي شاة، وهو أقل ما ينوب أحد التمتعين.

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم : وإن أحب أن يصوم; فعشرة أيام ، فإن أيسر; كان عليه ما نذر .

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب ابن حبيب : إذا أعسر، وقال: علي هدي; صام عشرة أيام، فإن قال: بدنة; صام سبعين يوما .

                                                                                                                                                                                        قال أشهب : إن أحب صام سبعين يوما أو أطعم سبعين مسكينا .

                                                                                                                                                                                        وظاهر قوليهما ألا شيء عليه بعد ذلك، وهذا أيضا استحسان; لأن الله تعالى أوجب في القتل والظهار عتق رقبة، ثم جعل الصوم عند عدم العتق; فكان صيام هذين عند عدم القدرة على الهدي براءة لهما. [ ص: 1665 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية