الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن حلف ليقضين فلانا حقه، فأعطاه عرضا، أو وهبه له الطالب. أو حلف الطالب لا يضع من حقه شيئا، فأخره أو أقاله

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن حلف ليقضين فلانا حقه إلى أجل أو دنانيره، فأعطاه بها عرضا فيه وفاء من حقه، فلا شيء عليه، ثم كرهه فالكراهة على مراعاة الألفاظ، والأخرى على مراعاة المقاصد، وهو إذا قال: دنانيره أبين في الكراهية، وإن وهبه الطالب ذلك الحق; لم يبر. وهذا على مراعاة الألفاظ، وعلى مراعاة المقاصد لا يحنث; لأن المراد أن لا يكون منه لدد عن القضاء. فإذا أمكنه منه وتركه; لم يحنث إذا كانت اليمين بما لا يقضى بها، أو بما يقضى بها، ولا بينة عليه، فإن كانت عليه بينة، لم يبر.

                                                                                                                                                                                        قال أشهب : ثم إن مضى الأجل، ولم يقضه، حنث .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : لا ينفعه إن قضاه بعد ذلك.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن، أن لا شيء عليه إن قضاه في الأجل; لأنه إن كان باطنه على الصحة، وقد مكنه من حقه; لم يحنث. وإن اتهم أن يكون أراد الطالب الرفق به، لئلا يحنث، فأظهر الهبة . وليكون القضاء بعد الأجل; كان الحق قائما، فقد قضاه.

                                                                                                                                                                                        وإن باعه بالدين عرضا بيعا فاسدا، ففات في الأجل وقيمته مثل الدين [ ص: 1767 ] فأكثر; بر. وإن كانت قيمته أقل، فوفاه بقية حقه في الأجل، بر. وإن لم يقضه حتى انقضى الأجل، حنث. واختلف إذا انقضى الأجل والعرض قائم: فقال سحنون في العتبية: يحنث.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب : لا يحنث.

                                                                                                                                                                                        وأرى إن كان في قيمته وفاء بالحق أن لا يحنث; لأنه الوفاء عنده، والوجه الذي قصده بيمينه. وكذلك إن كان عالما بالفساد، وقصد بت البيع. وإن أراد بذلك ليقوم بعد الأجل، حنث; لأنه قصد اللدد. وإن باعه بالدين سلعة بيعا صحيحا، وبها عيب فعلم بالعيب في الأجل، فردت. وقضى الثمن ثانية، وإلا حنث. وإن رضي به المشتري، وفى قيمتها معيبة وفاء بالدين، لم يحنث. وإن كانت أقل; حنث على مراعاة الألفاظ; ولم يحنث على القول الآخر إذا كانت قيمتها سالمة مثل الدين، وهو غير عالم بالعيب; لأنه قصد الوفاء، ولم يلد.

                                                                                                                                                                                        وإن فاتت في الأجل أعطاه قيمة العيب، وإلا حنث. وإن لم يعلم بالعيب، إلا بعد الأجل وقد كانت فاتت في الأجل، حنث على أحد القولين. وإن مضى الأجل وهي قائمة، حنث على قول سحنون في البيع الفاسد، ولم يحنث على قول أشهب . وهو أحسن; لأنه لم يقصد لددا.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية