الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن تزوج بمرضعتين]

                                                                                                                                                                                        وإن تزوج امرأة ومرضعتين وهي صغيرة، فأرضعتهما الكبيرة قبل [ ص: 1956 ] البناء، انفسخ نكاحها; لأنها من أمهات نسائه، فله أن يختار إحدى المرضعتين، ولا صداق للكبيرة; لأن الفسخ من سببها. واختلف في التي يفارق من الأختين ، فذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد عن ابن القاسم أنه قال: لا شيء لها على الزوج.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : لها ربع صداقها; لأنه لو فارقها قبل أن تختار ، كان النصف بينهما. وقال ابن حبيب : للتي فارق نصف صداقها ، وجعله بمنزلة من طلق طوعا; لأنه فراق بطلاق، ولا سبب لها فيه، ولأنه كان قادرا على أن يختارها، ولأن ذلك مصيبة نزلت به كموتها، فإن مصيبة المبيع منه، ويغرم الثمن .

                                                                                                                                                                                        ووجه قول ابن القاسم ألا شيء عليه; لأنه مغلوب على الفراق، وإنما ورد القرآن بغرم نصف الصداق فيمن طلق طوعا، ولا يشبه ذلك موتها; لأن المبيع في هذه المسألة بيدها، تأخذ له عوضا من غيره إن أحبت، وإن أخذته بعد العقد وطلق قبل البناء- غرم نصف الصداق; لأنه في معنى الهالك، لا يأخذ به عوضا.

                                                                                                                                                                                        ثم يختلف في الكبيرة التي أرضعتهما، هل يرجع الزوج عليها بالنصف إن [ ص: 1957 ] غرمه، أو ترجع الصغيرة عليها إن لم يغرمه الزوج. فأما غرمها للزوج فقياسا على من شهد عليه بالطلاق قبل البناء، ثم رجعت البينة، فقال ابن القاسم : يرجع على البينة بما غرم. وقال أشهب : لا رجوع له عليها; لأنها لم توجب عليه إلا ما كان يلزمه لو طلق .

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أصوب; لأنه لم يطلق وإنما اشترى شيئا وبذل له العوض، فحيل بينه وبين قبضه وأغرم العوض. وإذا لم يغرم الزوج فإنه يختلف في رجوع الصبية على التي أرضعتها، فإذا قيل: إن وجه منع غرم الزوج لأنه لم يطلق طوعا، وأنه حيل بينه وبين قبض المبيع- كان لها أن ترجع على المرضعة لأنها تقول: كان لي دين أسقطته بفعلك. وإن قيل: إن وجه سقوط الغرم عن الزوج لأن المبيع بيدها تبيعه وتأخذ العوض عنه إن أحبت ولم يملك لها شيء لم ترجع; لأن الوجه الذي سقط به مقالها عن الزوج والتي أرضعتها واحد. وكذلك إذا أسلم على أختين ففارق إحداهما، أو على عشر نسوة ففارق ستا ، فعلى قول ابن القاسم ، لا شيء لمن فارق، وعلى قول محمد : يكون للأخت ربع صداقها، ولكل واحدة من الست خمس صداقها. وعلى قول ابن حبيب : لكل واحدة نصف صداقها . والأول أصوب. ومن هذا [ ص: 1958 ] الأصل قول أصبغ في كتاب ابن حبيب في رجل له ابنتان فزوج إحداهما، ثم اختلفا. فقال الزوج: تزوجت فلانة، وقال الأب: بل فلانة، فقال أصبغ : للتي أقر لها الزوج نصف صداقها . لأن من حجة الزوجة: أن الزوج مقر لها بالنكاح وبالصداق، فليس ظلم الأب وجحوده يسقط دينها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية