الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في أحوال الزوج مع نسائه]

                                                                                                                                                                                        والزوج مع نسائه على خمسة أقسام: قسم هو مطالب فيه بالعدل، وهو المتقدم ذكره، وأربعة يسقط عنه ذلك فيها. ثم هي مختلفة المراتب:

                                                                                                                                                                                        فأحدها: مختلف فيه هل الأمر بيده، فإن أحب قسم أو ترك، أو ذلك مستحق عليه لامرأة بعينها من غير خيار، وهو حال الابتناء

                                                                                                                                                                                        والثاني: مختلف فيه هل ذلك إليه، يخص بنفسه أيتهن أحب، أو تكون قرعة لتساوي حقهن فيه، وأنه لا بد أن يستبد به إحداهن؟ وهو حال المرض والسفر والزفاف إذا دخلت عليه امرأتان في ليلة.

                                                                                                                                                                                        والثالث: مختلف فيه، هل الخيار إليه أو تكون قرعة، أو يكون إلى غير من كان عندها من غير خيار ولا قرعة؟ وهو إذا قدم من سفر أو صح من مرض [ ص: 2050 ] أو انقضى أيام الابتناء.

                                                                                                                                                                                        والرابع: أن ذلك إليه، وهو حال المرض إذا كانت إحداهن أرفق به وأقوم عليه، فله أن يكون عندها من غير قرعة.

                                                                                                                                                                                        ومقام الزوج عند البكر سبع، وعند الثيب ثلاث، وليس عليه العدل في هذه الأيام.

                                                                                                                                                                                        واختلف هل ذلك حق له، أو لها يجبر عليه، أو يندب ولا يجبر؟ فقال مالك مرة: ذلك حق لها لازم. وقال مرة: هو حق له. وقال أصبغ: هو حق لها يؤمر ولا يجبر، كالمتعة. والأول أحسن، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "للبكر سبع، وللثيب ثلاث" واللام للتمليك حتى يقوم دليل يخرجه عن ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول أنه حق لها، وقال أشهب: لا يقضى به، وقال ابن عبد الحكم: يقضى إذا كان لها ضرائر، أو كان خلوا من النساء.

                                                                                                                                                                                        فالأول لقول أنس: "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب، أقام عندها سبعا وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا، وقسم ". قال أبو قلابة: لو ثبت قلت: إن أنسا رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه البخاري ومسلم. [ ص: 2051 ]

                                                                                                                                                                                        ووجه الثاني قول أنس: من السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا، ولم يشترط أخرجه البخاري.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في العتبية: لا يتخلف العروس عن الصلوات في جماعة ولا عن الجمعة. وقال سحنون: قال بعض الناس: لا يخرج، وذلك حق لها.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: يتصرف في حوائجه وإلى المسجد. والعادة اليوم ألا يخرج لحاجة، ولا لصلاة وإن كان خلوا من غيرها، وعلى المرأة في ذلك عند النساء وصم إن خرج، وأرى أن يلزم العادة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أقام عند الثيب ثلاثا ثم أراد أن يتمها سبعا ويسبع لنسائه على حديث أم سلمة فأباه مالك في كتاب محمد، وأجازه ابن القصار قال: إن أقام عند الثيب سبعا - قضى للمتقدمات سبعا سبعا. قال: وبه قال أنس بن مالك والنخعي والشعبي والشافعي وابن حنبل وإسحاق. وقال محمد بن عبد الحكم: إذا زفت إليه امرأتان في ليلة أقرع بينهما. وعلى أحد قولي مالك أن ذلك حق له- يكون بالخيار من غير قرعة. [ ص: 2052 ]

                                                                                                                                                                                        وعلى المريض أن ينتقل بين نسائه إلا أن يشتد مرضه، فيسقط ذلك عنه. ثم يختلف هل يكون الخيار إليه، أو تكون قرعة؟ وهذا مع تساوي نسائه في القيام به، وإن علم من إحداهن الجفوة والضعف عن القيام بالمريض ومن الأخرى الرفق والقيام - أقام عندها من غير قرعة.

                                                                                                                                                                                        واختلف قول مالك في سفره بإحداهن، فقال مرة: يقرع بينهن. وقال مرة: يسافر بمن شاء من غير قرعة. وبه أخذ ابن القاسم.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن، لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها سافر بها". لتساوي حقهن فيه، فلم يكن لواحدة أن تستبد به، ولم يكن له أن يخص بنفسه واحدة منهن، فكانت القرعة عدلا بينهن. وهذا إذا كان جميعهن يصلح للسفر، وليس له أن يخلف التي هي القيمة بماله المدبرة لأمره إذا كرهت المقام، وليس عليها أن تقيم للخدمة في ماله، ويؤثر غيرها، إلا أن تكون ثبطة لا تصلح للسفر، أو ذات عيال؛ لأن عليه ضررا في خروجها بعيالها، أو خروجها دونهم. [ ص: 2053 ]

                                                                                                                                                                                        وإن أراد السفر بواحدة فكرهت، أجبرت، إلا أن يكون سفرا يدركها فيه مشقة، أو تدركها فيه معرة.

                                                                                                                                                                                        وإذا انقضت أيام الابتناء، أو أفاق الآخر من مرضه، أو قدم من سفره لم يحاسب بالماضي. واختلف في المستقبل هل يبتدئ بغير من كان عندها أو كانت معه، أو يكون بالخيار، يبتدئ بأيهما أحب؟ ويجري فيها قول ثالث أن تكون قرعة بين من سواها.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يبتدئ بغيرها، ثم بالتي كان لها الحق قبل الابتناء والمرض والسفر، ثم يكون عند من كان عندها، مريضا أو في السفر آخرهن. وإن اختلط عليه كيف كانت التبدئة بينهن لطول المرض، أو السفر، أقرع بينهن خاصة، ثم كانت مع من كان عندها أو معها في السفر آخرهن.

                                                                                                                                                                                        وإن سافرت إحدى نسائه جاز له أن يصيب الباقية.

                                                                                                                                                                                        قال مالك في المبسوط: وإن قالت له: أحرم عليك أن تأتي صاحبتي في يومي، أو تبيت عندها في ليلتي، لم يحرم ذلك عليه، وهي تركت يومها حين خرجت.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا: إن كان بينهما ميل قريب من ذلك- فلا يصيبها في يوم الأخرى. وإن كان سفرا بعيدا فلا بأس. [ ص: 2054 ]

                                                                                                                                                                                        ومحمل جواب مالك على قوله المتقدم فيمن أغلقت الباب دونه أن له أن يمضي إلى صاحبتها، وليس ذلك له على قول ابن القاسم: إذا حرمت عليه، إلا أن تطول الغيبة، ويدركها الضرر.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية