الباب الثاني والعشرون في رضي الله تعالى عنهما في سبعين ومائة راكب إلى زيد بن حارثة العيص ، فأخذوا العير وما فيها وأخذوا يومئذ فضة كثيرة سرية لصفوان بن أمية وأسروا ناسا منهم أبو العاص بن الربيع .
قال : لما كان قبل الفتح خرج ابن إسحاق تاجرا بمال له وأموال لرجال من أبو العاص بن الربيع قريش أبضعوها معه . فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصابوا ما معه . وذكر وتبعه الزهري ابن عقبة أن الذين أخذوا هذه العير وأسروا من فيها أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما بمنزلهم بسيف البحر ، وأنهما لم يقتلا منهم أحدا لصهر أبي العاص .
قال ، ابن إسحاق ومحمد بن عمر : إنه هرب منهم من السرية . فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاص تحت الليل حتى دخل على امرأته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجار بها فأجارته . قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر : زينب من صفة النساء ، وعند محمد بن عمر : قامت على بابها فنادت بأعلى صوتها وقالت : أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع .
قال : فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس فقال : «يا أيها الناس هل سمعتم ما سمعت ؟ » قالوا : نعم . قال : «أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم ، المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم» زاد محمد بن عمر :
«وقد أجرنا من أجارته» . فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فكبر وكبر الناس معه صرخت
انتهى .
قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر : ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله ، فدخلت عليه زينب فسألته أن يرد على أبي العاص ما أخذ منه فقبل . وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : . «أي بنية أكرمي مثواه ، ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له»
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص ، فقال لهم : «إن هذا الرجل منا حيث علمتم وقد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له؛ فإنا نحب ذلك ، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم فأنتم أحق به» . فقالوا : يا رسول الله بل نرده عليه .
وعند ابن عقبة : فكلمها أبو العاص في أصحابه الذين أسرهم أبو جندل وأبو بصير وما أخذا لهم . فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ،
فخطب الناس وقال : «إنا صاهرنا ناسا وصاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه ، وإنه أقبل من الشام في أصحاب له من قريش ، فأخذهم أبو جندل وأبو بصير فأسروهم وأخذوا ما كان معهم ولم يقتلوا منهم أحدا ، وأن سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون زينب بنت رسول الله أبا العاص وأصحابه ؟ »
فقال [ ص: 84 ]
الناس : نعم . فلما بلغ أبا جندل وأصحابه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي العاص وأصحابه الذين كانوا عنده من الأسرى ، رد إليهم كل شيء حتى العقال . قال ابن إسحاق ومحمد بن عمر :
فردوا عليه كل شيء حتى إن الرجل ليأتي بالدلو ويأتي الرجل بالشنة والإداوة حتى إن أحدهم ليأتي بالشظاظ حتى ردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا .
قال ابن هشام : حدثني أن أبو عبيدة لما قدم من أبا العاص بن الربيع الشام ومعه أموال المشركين قيل له : هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال؛ فإنها أموال المشركين ؟ فقال أبو العاص : بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي . قال ابن هشام : وحدثني عبد الوارث بن سعيد التنوري عن [داود] بن أبي هند ، عن أبي عمرو وعامر بن شراحيل الشعبي بنحو من حديث أبي عبيدة عن أبي العاص قلت : هذا سند صحيح ، رواه في الكنى بسند صحيح عن أبو عبد الله الحاكم رحمه الله تعالى أن المسلمين قالوا الشعبي لأبي العاص : يا أبا العاص ، إنك في شرف من قريش وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره ، فهل لك أن تسلم وتغنم ما معك من أموال أهل مكة ؟ فقال : بئس ما أمرتموني به أن أفتتح ديني بغدرة .
قال ، ابن إسحاق ومحمد بن عمر ، ثم احتمل والشعبي : أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه . ثم قام فقال : «يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟ يا أهل مكة هل أوفيت ذمتي ؟ » قالوا : اللهم نعم ، فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما . قال :
«فإني أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا أني خشيت أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم ، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت» .
ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . قال ابن عباس : زينب على النكاح الأول لم يحدث شيئا . وفي رواية عنه رد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن جرير . ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ست سنين . وفي رواية بعدها : ستة بالنكاح الأول ، وفي الرواية : ولم يحدث نكاحا .