الباب السابع والعشرون في رضي الله تعالى عنهما إلى عبد الرحمن بن عوف دومة الجندل في شعبان سنة ست سرية
روى ، ابن إسحاق ومحمد بن عمر عن رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له : عبد الرحمن بن عوف ، عبد الله : فسمعت ذلك فقلت : لأدخلن فلأصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة ولأسمعن وصيته قال : كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده : لعبد الرحمن بن عوف أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، [رضي الله تعالى عنهم ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم] إذ أقبل فتى من الأنصار فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ، فقال : يا رسول الله ، أي المؤمنين أفضل ؟ فقال : «أحسنهم خلقا» . وأبو سعيد الخدري
قال : فأي المؤمنين أكيس ؟ قال : «أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل بهم ، أولئك الأكياس» . ثم سكت الفتى وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا معشر المهاجرين :
خمس خصال إذا نزلن بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن : إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا [ ص: 94 ] المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا أمسك الله عنهم قطر السماء ، ولولا البهائم لم يسقوا ، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فأخذ بعضهم ما كان في أيديهم وما حكم قوم بغير كتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم» . وفي رواية : «إلا ألبسهم شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض» .
ثم قال : قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل . وكان رجاله معسكرين بالجرف ، وكانوا سبعمائة . فقال عبد الرحمن : «أحب يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك وعلي ثياب سفري» . فأقعده بين يديه ثم نفض عمامته بيده ثم عممه بعمام [من كرابيس] سوداء . فأرخى بين كتفيه منها أربع أصابع أو نحو ذلك .
ثم قال : «هكذا يا ابن عوف فاعتم؛ فإنه أحسن وأعرف» .
ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه ، فحمد الله تعالى وصلى على نفسه ، ثم قال :
«خذه يا ابن عوف ، اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، لا تغلوا ولا تغدروا ، ولا تنكثوا ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا؛ فهذا عهد الله وسنة نبيكم فيكم» .
فأخذ عبد الرحمن اللواء وخرج حتى لحق بأصحابه ، فسار حتى قدم دومة الجندل .
فلما حل بها دعاهم إلى الإسلام . فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام . وقد كانوا أبوا أول ما قدم ألا يعطوا إلا السيف . فلما كان اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي . وكان نصرانيا وكان رئيسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه ، وأقام من أقام منهم على إعطاء الجزية .
فكتب عبد الرحمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بذلك وأنه أراد أن يتزوج فيهم . وبعث الكتاب مع رافع بن مكيث الجهيني ، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بنت الأصبغ تماضر ، فتزوجها عبد الرحمن وبنى بها ، ثم أقبل بها وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن . «تجهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا أو من الغد إن شاء الله تعالى» . قال
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ابن إسحاق في سرية إلى أبا عبيدة بن الجراح دومة الجندل كما سيأتي .