الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ذكر رجوع المسلمين إلى المدينة وتلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين لهم

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عائذ رحمه الله تعالى : وقفل المسلمون فمروا في طريقهم بقرية لها حصن كان [أهلها] قتلوا في ذهاب المسلمين رجلا من المسلمين فحاصروهم حتى فتحه الله عليهم عنوة وقتل خالد مقاتلتهم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى إسحاق عن عروة قال : لما أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه . قال : وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون : يا . [ ص: 156 ]

                                                                                                                                                                                                                              فرار فررتم في سبيل الله . قال : فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : «كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس وكنت فيمن حاص .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : فلما لقينا العدو في أول غادية فأردنا أن نركب البحر فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف ؟

                                                                                                                                                                                                                              ثم قلنا لو دخلنا المدينة [قتلنا] ، فقدمنا المدينة في نفر ليلا فاختفينا . ثم قلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرنا إليه ، فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا . فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال : «من القوم ؟ » . قلنا نحن الفرارون ، قال : «بل أنتم الكرارون وأنا فئتكم»
                                                                                                                                                                                                                              . أو قال : «وأنا فئة كل مسلم» . قال : فقبلنا يده .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق عن أم سلمة [زوج النبي صلى الله عليه وسلم] رضي الله تعالى عنهما أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة : ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين ؟ قالت : والله ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس : يا فرار فررتم من سبيل الله ، حتى قعد في بيته فما يخرج ، وكان في غزوة مؤتة .

                                                                                                                                                                                                                              وعن خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : «حضرت مؤتة وبرز لي رجل منهم فأصبته وعليه بيضة فيها ياقوتة فلم يكن همي إلا الياقوتة فأخذتها . فلما انكشفنا رجعنا إلى المدينة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفلنيها ، فبعتها زمن عثمان بمائة دينار فاشتريت بها حديقة نخل» . رواه البيهقي .

                                                                                                                                                                                                                              قال في البداية : لعل طائفة منهم فروا لما عاينوا كثرة جموع العدو على ما ذكروه مائتي ألف ، وكان المسلمون ثلاثة آلاف ، ومثل هذه يسوغ الفرار ، فلما فر هؤلاء ثبت باقيهم وفتح الله عليهم وتخلصوا من أيدي أولئك وقتلوا منهم مقتلة عظيمة كما ذكره الزهري وموسى بن عقبة والعطاف بن خالد ، وابن عائذ ، وحديث عوف بن مالك السابق يقتضي أنهم غنموا منهم وسلبوا من أشرافهم وقتلوا من أمرائهم وقد تقدم فيما رواه البخاري أن خالدا رضي الله تعالى عنه قال : «اندقت في يدي تسعة أسياف إلخ» يقتضي أنهم أثخنوا فيهم قتلا ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلص منهم وهذا وحده دليل مستقل . [ ص: 157 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية