روى عن البيهقي قال : حدثني ابن إسحاق يزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر ، عن والبيهقي عروة بن الزبير ، ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا : المدينة من تبوك بعث في أربعمائة وعشرين فارسا في رجب سنة تسع إلى خالد بن الوليد أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل . وكان أكيدر من كندة وكان نصرانيا . فقال كيف لي به وسط بلاد كلب وإنما أنا في أناس يسيرين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنك ستجده [ليلا] يصيد البقر فتأخذه فيفتح الله لك خالد : دومة فإن ظفرت به فلا تقتله وائت به إلي فإن أبى فاقتله» .
فخرج إليه حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته خالد بن الوليد الرباب بنت أنيف بن عامر الكندية . فصعد أكيدر على ظهر الحصن من الحر ، وقينة تغنيه ، ثم دعا بشراب . فأقبلت البقر الوحشية تحك بقرونها باب الحصن فأشرفت امرأته فرأت البقر فقالت ما رأيت كالليلة في اللحم . قال وما ذاك ، فأخبرته فأشرف عليها .
فقالت امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا . قالت : فمن يترك هذا ؟ قال : لا أحد ، قال أكيدر : والله ما رأيت بقرا جاءتنا ليلة غير تلك الليلة ، ولقد كنت أضمر لها الخيل ، إذا أردت أخذها شهرا ، ولكن هذا بقدر . ثم ركب بالرجال وبالآلة فنزل أكيدر وأمر بفرسه فأسرج وأمر بخيله فأسرجت وركب معه نفر من أهل بيته ، معه أخوه ومملوكان له ، فخرجوا من حصنهم بمطاردهم . فلما فصلوا من الحصن وخيل حسان تنظر إليهم لا يصون منها فرس ولا يجول . [ ص: 221 ] خالد
فساعة فصل أخذته الخيل ، فاستأثر أكيدر وامتنع وقاتل حتى قتل وهرب المملوكان ومن كان معه من أهل بيته ، فدخلوا الحصن ، وكان على حسان قباء من ديباج مخصوص بالذهب ، فاستلبه حسان وقال خالد . خالد لأكيدر : هل لك أن أجبرك من القتل حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن تفتح لي دومة ؟ فقال أكيدر : نعم . فانطلق به حتى أدناه من الحصن . خالد
فنادى أكيدر أهله أن افتحوا باب الحصن ، فأرادوا ذلك ، فأبي عليهم مضاد أخو أكيدر . فقال أكيدر لخالد : تعلم والله أنهم لا يفتحون لي ما رأوني في وثاقك فخل عني فلك الله والأمانة أن أفتح لك الحصن إن أنت صالحتني على أهلي . قال فإني أصالحك فقال خالد : أكيدر إن شئت حكمتك وإن شئت حكمتني . فقال بل نقبل منك ما أعطيت . فصالحه على ألفي بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح ، على أن ينطلق به وبأخيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحكم فيهما حكمه . فلما قاضاه خالد : على ذلك خلى سبيله ، ففتح باب الحصن ، فدخله خالد وأوثق خالد مضادا أخا أكيدر ، وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلاح . ولما ظفر خالد بأكيدر وأخيه أرسل حسان خالد بشيرا وأرسل معه قباء عمرو بن أمية الضمري قال حسان . أنس رأينا قباء وجابر : أخي حسان أكيدر حين قدم به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتعجبون من هذا ؟ فو الذي نفسي بيده لمناديل في الجنة أحسن من هذا» . سعد بن معاذ
ثم إن خالدا لما قبض ما صالحه عليه أكيدر عزل للنبي صلى الله عليه وسلم صفية له قبل أن يقسم شيئا من الفيء ، ثم خمس الغنائم بعد . قال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى محمد بن عمر : كان صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا أو أمة أو سيفا أو درعا أو نحو ذلك .
ثم خمس الغنائم بعد ، فقسمها بين أصحابه . قال خالد أصابني من السلاح درع وبيضة وأصابني عشر من الإبل . وقال أبو سعيد الخدري : أصابني ست فرائض . واثلة بن الأسقع :
وقال عبد الله بن عمرو بن عوف المازني : كنا مع أربعين رجلا من خالد بن الوليد بني مزينة وكانت سهماننا خمس فرائض لكل رجل مع سلاح يقسم علينا دروع ورماح . قال محمد بن عمر : إنما أصاب الواحد ستا والآخر عشرا بقيمة الإبل . ثم إن خالدا توجه قافلا إلى المدينة ومعه أكيدر ومضاد . وروى محمد بن عمر رضي الله تعالى عنه قال : رأيت جابر أكيدر حين قدم به وعليه صليب من ذهب وعليه الديباج ظاهرا . [ ص: 222 ] خالد
فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد له ، فأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده : لا لا مرتين . وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فيها كسوة ، قال عن وبغلة وصالحه على الجزية . قال ابن الأثير : ابن الأثير :
وبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما . وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فيه أمانهم وما صالحهم عليه ، ولم يكن في يد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ خاتم فختم الكتاب بظفره .
قال محمد بن عمر حدثني شيخ من أهل دومة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب له هذا الكتاب : «بسم الله الرحمن الرحيم» : هذا كتاب من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام ، وخلع الأنداد والأصنام مع سيف الله في خالد بن الوليد دومة الجندل وأكنافها : أن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة [والسلاح] والحافر والحصن ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور بعد الخمس ولا تعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم النبات تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها ، عليكم بذلك عهد الله والميثاق ، ولكم بذلك الصدق والوفاء ، شهد الله تبارك وتعالى ومن حضر من المسلمين» .
وقال بجير بن بجرة الطائي يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنك ستجده يصيد البقر» . لخالد بن الوليد :
وما صنعت البقر تلك الليلة بباب الحصن تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
تبارك سائق البقرات إني رأيت الله يهدي كل هاد فمن يك حائدا عن ذي تبوك
فإنا قد أمرنا بالجهاد
قال بعد أن أورد هذين البيتين من طريق البيهقي وزاد غيره وليس في روايتنا : ابن إسحاق
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يفضض الله فاك» .
فأتى عليه تسعون سنة فما تحرك له ضرس .
وروى ابن منده وابن السكن كلهم عن الصحابة ، عن وأبو نعيم ، بجير بن بجرة قال : كنت في جيش حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد أكيدر دومة فقال له : «إنك تجده يصيد البقر» . فوافقناه في ليلة مقمرة وقد خرج كما نعته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذناه فلما أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدته أبياتا ، فذكر ما سبق . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يفضض الله فاك» . فأتت عليه تسعون سنة وما تحرك له سن . [ ص: 223 ]