ذكر نجران إلى الإسلام وما دار بينه وبينهم : روى دعائه صلى الله عليه وسلم وفد وصححه ، الحاكم ، وابن مردويه عن وأبو نعيم رضي الله تعالى عنه ، ابن عباس وابن سعد ، عن وعبد بن حميد الأزرق بن قيس رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا وفد نجران إلى الإسلام فقال العاقب السيد ، عبد المسيح ، وأبو حارثة بن علقمة : قد أسلمنا يا محمد ، فقال : «إنكما لم تسلما» .
قالا : بلى قد أسلمنا قبلك . قال : «كذبتما ، يمنعكما من الإسلام ثلاث فيكما : عبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير وزعمكما أن لله ولدا» . ثم سألهم وسألوه ، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له : ما تقول في عيسى ابن مريم ؟ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى ، يسرنا إن كنت نبيا أن نعلم قولك فيه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما عندي فيه شيء يومي هذا ، فأقيموا حتى أخبركم بما يقول الله في عيسى » . وروى ابن جرير عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ثبت بيني وبين أهل نجران حجاب فلا أراهم ولا يروني» ،
من شدة ما كانوا يمارون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، انتهى .
وروى ، ابن جرير عن وابن أبي حاتم ، ابن عباس وابن سعد عن الأزرق بن قيس ، عن وابن جرير ، السدي ، وابن جرير وابن المنذر عن أبي جريج : أن نصارى نجران قالوا : يا محمد ، فيم تشتم صاحبنا ؟ قال : «من صاحبكم» ؟ قالوا : عيسى ابن مريم تزعم أنه عبد . قال : «أجل إنه عبد الله وروحه وكلمته ، ألقاها إلى مريم وروح منه» . فغضبوا وقالوا : لا ولكنه هو الله نزل من ملكه فدخل في جوف مريم ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمره ، فهل رأيت قط إنسانا خلق من غير أب ؟ .
فأنزل الله تعالى : لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم [المائدة 17 . [ ص: 418 ]
وأنزل الله تعالى إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون [آل عمران 59] أي في كونه خلق من غير أب كمثل آدم خلقه من تراب يابس فجعله بشرا : لحما ودما ثم قال له كن فيكون فمثل عيسى عند الله كمثل آدم أي شأنه الغريب كشأن آدم عليهما السلام . خلقه من تراب جملة مفسرة للتمثيل لما له من الشبه وهو أنه تعالى خلق آدم من تراب بلا أب ولا أم فشبه حاله بما هو أغرب إفحاما للخصم وقطعا لمواد الشبهة ، والمعنى خلق قالبه من تراب ثم قال له : كن أي أنشأه بشرا سويا بقوله : كن كقوله تعالى : ثم أنشأناه خلقا آخر [المؤمنون 14] . ويجوز أن تكون «ثم» لتراخي الخبر لا المخبر فيكون حكاية حال ماضية .
الحق من ربك [آل عمران 60] خبر محذوف أي الحق من الله عز وجل ، فلا تكن من الممترين خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لزيادة الثبات أو لكل سامع . فلما أصبحوا عادوا فقرأ عليهم الآيات فأبوا أن يقرأوا .