الباب السابع والتسعون في وفود الجن إليه صلى الله عليه وسلم
قال الحافظ أبو نعيم رحمه الله تعالى : كان إسلام الجن ووفادتهم على النبي صلى الله عليه وسلم كوفادة الإنس فوجا بعد فوج وقبيلة بعد قبيلة بمكة وبعد الهجرة . وروى من طريق أبو نعيم عمرو بن غيلان الثقفي رضي الله تعالى عنه قال : إن ابن مسعود أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجلا وتركت فأخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى إلى حجرة ، ثم انطلق بي حتى أتينا أم سلمة بقيع الغرقد ، فخط بعصاه خطا ثم قال : «اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك» . ثم انطلق يمشي وأنا أنظر إليه من خلال الشجر ، حتى إذا كان من حيث أراه ثارت مثل العجاجة السوداء ، فقلت : ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أظن هذه هوازن مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه فأسعى إلى البيوت فأستغيث بالناس ، فذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني ألا أبرح مكاني الذي أنا فيه . فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعهم بعصاه ويقول : «اجلسوا» . فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح ثم ثاروا وذهبوا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «أولئك وفد الجن سألوني المتاع والزاد فمتعهم بكل عظم حائل وروثة وبعرة فلا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أكل ولا روثة إلا وجدوا عليها حبها الذي كان يوم أكلت» . [ ص: 434 ] عن
قصة أخرى : روى أبو نعيم رضي الله تعالى عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح في مسجد الزبير بن العوام المدينة فلما انصرف قال : «أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة ؟ » فخرجت معه حتى خنست عنا جبال المدينة كلها وأفضينا إلى أرض فإذا رجال طوال كأنهم الرماح مستثفرين ثيابهم من بين أرجلهم . فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة حتى ما تحملني رجلاي من الفرق ، فلما دنونا منهم خط لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبهام رجله خطا .
فقال : «اقعد في وسطه» فلما جلست ذهب عني كل شيء كنت أجده من ريبة ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينهم ، فتلا قرآنا وبقوا حتى طلع الفجر ثم أقبل . فقال : «الحقني» . فمشيت معه فمضينا غير بعيد فقال لي : «التفت وانظر هل ترى حيث كان أولئك من أحد ؟ » فخفض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأرض عظما وروثة ثم رمى بهما وقال : «إنهم سألوا الزاد فقلت لهم لكم كل عظم وروثة» . عن
قصة أخرى : روى الإمام أحمد والترمذي ومسلم علقمة قال : قلت رضي الله تعالى عنه : هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم من أحد ليلة الجن ؟ قلت : ما صحبه منا أحد ولكن فقدناه ذات ليلة فالتمسناه في الأودية وفي الشعاب فقلنا : اغتيل ؟ استطير ؟ ما فعل ؟ فبتنا بشر ليلة بات بها قوم . فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل لابن مسعود حراء .
فقلنا : يا رسول الله ، فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فقال : «إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن . قال : فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم . وسألوه الزاد فقال : «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم» ، قال : «فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من الجن» . عن
وقال رحمه الله تعالى : وكانوا من جن الشعبي الجزيرة .
وفي رواية ابن جرير رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «بت الليلة أقرأ على الجن واقفا بالحجون» ابن مسعود . وقوله إنه لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم أصح مما رواه عن على ابن جرير قال : أخبرنا الزهري أبو عثمان بن سنة- بفتح المهملة وتشديد النون- الخزاعي أنه يقول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه وهو عبد الله بن مسعود بمكة : «من أحب منكم أن يحضر الليلة أثر الجن فليفعل» .
فلم يحضر معهم أحد غيري . قال : فانطلقنا فإذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ، ثم انطلق حتى إذا قام فافتتح القرآن [ ص: 435 ] [فجعلت أرى أمثال النسور تهوي وتمشي في رفرفها وسمعت لغطا وغمغمة حتى خفت على النبي صلى الله عليه وسلم] . وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين . سمع
وقد تقدم بأبسط من هذا في باب إسلام الجن في أوائل الكتاب قبيل أبواب المعراج والله أعلم .