روى البيهقي من طريق وأبو نعيم عن موسى بن عقبة الزهري ، وابن سعد عن شيخ من قريش ، وابن سعد عن ، ابن عباس وعاصم بن عمر بن قتادة وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ، دخل حديث بعضهم في بعض ، وابن سعد عن عكرمة ومحمد بن علي ، عن وابن عساكر الزبير بن بكار ، عن وأبو نعيم عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم ، أن المشركين اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد ، واشتد عليهم البلاء ، حين هاجر المسلمون إلى وبلغهم كرمه إياهم ، وأجمعت النجاشي قريش أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية ، فلما رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب ، وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممن أرادوا قتله ، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم ، فلما عرفت قريش أن القوم منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ، ولا يدخلوا بيوتهم ، حتى يسلموا [ ص: 59 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا صحيفة وعهودا ومواثيق ، لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا حتى يسلموه للقتل ، فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين ، واشتد عليهم البلاء والجهد ، وفي لفظ : فحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من تنبؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن بني قصي ورجال سواهم من قريش قد ولدتهم نساء من بني هاشم ، ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم ، وأجمعوا أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه وبعث الله تعالى على صحيفتهم الأرضة فأكلت كل ما كان فيها من عهد وميثاق ، وكانت معلقة في سقف البيت ، فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق ، فلم تترك فيها اسما لله إلا لحسته وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم .
وفي لفظ : فأكلت ما كان فيها من جور وظلم وبقي ما فيها من ذكر الله تعالى .
وفي لفظ : فأرسل الله تعالى على الصحيفة دابة فأكلت كل شيء فيها إلا اسم الله .
وفي لفظ : إلا باسمك اللهم ، وأطلع الله تعالى نبيه على الذي صنع بصحيفتهم .
وفي لفظ : ثم أطلع الله تعالى رسوله على أمر صحيفتهم ، وأن الأرضة قد أكلت ما فيها من جور وظلم وبغي ، وبقي ما كان فيها من ذكر الله تعالى ، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب ، فقال أبو طالب : لا والثواقب ، ما كذبني فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب حتى أتى المسجد ، وهو حافل من قريش فلما رأوهم عامرين بجماعتهم أنكروا ذلك ، وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ، فأتوا ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم أبو طالب ، فقال : قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم فأتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها ، فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح ، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها ، فأتوا بصحيفتهم معجبين بها لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوعا إليهم ، فوضعوها بينهم فقال أبو طالب : إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا لكم فيه نصف ، أن ابن أخي قد أخبرني أن الله تعالى برئ من هذه الصحيفة التي في أيديكم ، ومحا منها كل اسم هو له فيها وترك فيها غدركم ، وقطيعتكم إيانا ، وتظاهركم علينا بالظلم ، فإن كان ما قال ابن أخي كما قال فأفيقوا فو الله ، لا يسلم أبدا حتى نموت من عند آخرنا ، وإن كان باطلا رفعناه إليكم فقتلتم أو استحييتم ، قالوا : قد رضينا بالذي تقول ، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر خبرها ، فلما رأتها قريش كالذي قال ، قالوا : والله إن كان هذا قط إلا سحر من صاحبكم! فقال : أولئك النفر : إن الأولى بالكذب والسحر غيرنا فإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر ، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم ، وهي بأيديكم طمس الله تعالى ما كان فيه . [ ص: 60 ]
من اسم له وما كان من بغي تركه أفنحن السحرة أم أنتم ؟ فقال عند ذلك النفر من بني عبد مناف ومن قصي : نحن براء من هذه الصحيفة ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعاشوا ، وخالطوا الناس ، وقال أبو طالب في الصحيفة :
ألم يأتكم أن الصحيفة مزقت وأن كل ما لم يرضه الله يفسد
كان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة العبدري ، فشلت يده حتى يبست فما كان ينتفع بها ، فكانت قريش تقول بينها : إن الذي صنعنا إلى بني هاشم لظلم ، انظروا ما أصاب منصور بن عكرمة .