الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
nindex.php?page=treesubj&link=66_26885 [ ص: 174 ] باب استحباب غسل اليدين قبل المضمضة وتأكيده لنوم الليل
165 - ( عن أوس بن أوس الثقفي قال : رأيت { nindex.php?page=hadith&LINKID=13470رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فاستوكف ثلاثا أي غسل كفيه . } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ) .
الحديث رجاله عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ثقات إلا حميد بن مسعدة فهو صدوق . قوله : ( أوس بن أوس ) ويقال ابن أبي أوس في صحبته خلاف ، وقد ذكره أبو عمر في الصحابة .
وهذا الحديث معناه في الصحيحين من حديث عثمان بلفظ : ( فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ) ، وقال في آخره ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ) ، وسيأتي في هذا الكتاب . وأخرج أبو داود من حديث عثمان أيضا بلفظ : ( أفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما إلى الكوعين ) وثبت نحوه أيضا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=4804وعبد الله بن زيد عند أهل السنن .
والحديث يدل على شرعية nindex.php?page=treesubj&link=66غسل الكفين قبل الوضوء ، وقد اختلف الناس في ذلك فعند الهادي في أحد قوليه والمؤيد بالله وأبي طالب والمنصور بالله والشافعية والحنفية أنه مسنون ولا يجب لحديث ( توضأ كما أمرك الله ) ولم يذكر فيه غسل اليدين . وقال القاسم : وهو أحد قولي الهادي وإليه ذهب ابنه أحمد بن يحيى أنه واجب لخبر الاستيقاظ الذي سيأتي بعد هذا .
وأجيب بأنه لا يدل على الوجوب لقوله فيه ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) وليعلم أن محل النزاع غسلهما قبل الوضوء ، وحديث الاستيقاظ الغسل فيه لا للوضوء فلا دلالة له على المطلوب ، ومجرد الأفعال لا تدل على الوجوب ، وسيأتي الكلام على ما هو الحق في الحديث الذي بعد هذا إن شاء الله .
166 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=9623 : إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده } . رواه الجماعة إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يذكر العدد ، وفي لفظ الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه { nindex.php?page=hadith&LINKID=9617إذا استيقظ أحدكم من الليل ) } .
167 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=9619 : إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسل ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده أو أين طافت يده } . رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني وقال : إسناد حسن ) . [ ص: 175 ] للحديث طرق منها ما ذكره المصنف ومنها عند ابن عدي بزيادة ( فليرقه ) وقال : إنها زيادة منكرة . ومنها عند nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي بزيادة ( أين باتت يده منه ) قال ابن منده : هذه الزيادة رواتها ثقات ولا أراها محفوظة .
وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة بزيادة لفظ منه nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، رواه ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه وهم .
قوله : ( من نومه ) أخذ بعمومه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجمهور فاستحبوه عقب كل نوم ، وخصه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود بنوم الليل لقوله في آخر الحديث : ( باتت يده ) لأن حقيقة المبيت تكون بالليل . ويؤيده ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف رحمه اللهفي رواية الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وأخرجها أيضا أبو داود وساق nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم إسنادها ، وما في رواية لأبي عوانة ساق nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم إسنادها أيضا { nindex.php?page=hadith&LINKID=9619إذا قام أحدكم للوضوء حين يصبح } لكن التعليل بقوله : ( فإنه لا يدري أين باتت يده ) يقضي بإلحاق نوم النهار بنوم الليل ، وإنما خص نوم الليل بالذكر للغلبة .
قال النووي : وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية أنه إن قام من نوم الليل كره له كراهة تحريم ، وإن قام من نوم النهار كره له كراهة تنزيه قال : ومذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر الشك في نجاسة اليد ، فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء كان قام من نوم الليل أو النهار أو شك انتهى . والحديث يدل على المنع من nindex.php?page=treesubj&link=66_45إدخال اليد إلى إناء الوضوء عند الاستيقاظ ، وقد اختلف في ذلك ، فالأمر عند الجمهور على الندب ، وحمله nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على الوجوب في نوم الليل واعتذر الجمهور عن الوجوب بأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب إلى الندب ، وقد دفع بأن التشكيك في العلة لا يستلزم التشكيك في الحكم وفيه أن قوله ( لا يدري أين باتت يده ) ليس تشكيكا في العلة بل تعليلا بالشك وأنه يستلزم ما ذكر .
ومن جملة ما اعتذر به الجمهور عن الوجوب حديث { أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من الشن المعلق بعد قيامه من النوم ولم يره أنه غسل يده } كما ثبت في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وتعقب بأن قوله : ( أحدكم ) يقتضي اختصاص الأمر بالغسل بغيره فلا يعارضه ما ذكر ، ورد بأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء حال اليقظة فاستحبابه بعد النوم أولى ، ويكون تركه لبيان الجواز . ومن الأعذار للجمهور أن التقييد بالثلاث في غير النجاسة العينية يدل على الندبية وهذه الأمور إذا ضمت إليها البراءة الأصلية لم يبق الحديث منتهضا للوجوب ولا لتحريم الترك ، ولا يصح الاحتجاج به على nindex.php?page=treesubj&link=45_66غسل اليدين قبل الوضوء ، فإن هذا ورد في nindex.php?page=treesubj&link=66_608غسل النجاسة وذاك سنة أخرى .
ويدل على هذا ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره من العلماء أن السبب في الحديث أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارة فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم [ ص: 176 ] أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على قذر غير ذلك ، فإذا كان هذا سبب الحديث عرفت أن الاستدلال به على وجوب غسل اليدين قبل الوضوء ليس على ما ينبغي . فإن قلت : هذا قصر على السبب ، وهو مذهب مرجوح . قلت : سلمنا عدم القصر على السبب فليس في الحديث إلا نهي المستيقظ عن نوم الليل أو مطلق النوم فهو أخص من الدعوى أعني : مشروعية غسل اليدين قبل الوضوء مطلقا فلا يصح للاستدلال به على ذلك ونحن لا ننكر أن غسل اليدين قبل الوضوء من السنن الثابتة بالأحاديث الصحيحة كما في حديث عثمان الآتي وغيره ، كما في الحديث الذي في أول الباب ولا منازعة في سنيته إنما النزاع في دعوى وجوبه والاستدلال عليها بحديث الاستيقاظ . وقد سبق ذكر الخلاف في ذلك في الحديث الذي قبل هذا .
قوله : ( فلا يدخل يده في الإناء ) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري ( في وضوئه ) .
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13114لابن خزيمة ( في إنائه أو وضوئه ) . والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء ويلحق به الغسل بجامع أن كل واحد منهما يراد التطهر به . وخرج بذكر الإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها النهي .
وفي الحديث أيضا دلالة على أن الغسل سبع ليس عاما لجميع النجاسات كما زعمه البعض بل خاصا بنجاسة الكلب باعتبار ريقه ، والجمهور من المتقدمين والمتأخرين على أنه لا ينجس الماء إذا غمس يده فيه ، وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه ينجس إن قام من نوم الليل ، وحكي أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=16935ومحمد بن جرير الطبري ، قال النووي : وهو ضعيف جدا فإن الأصل في اليد والماء : الطهارة فلا ينجس بالشك وقواعد الشريعة متظاهرة على هذا .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف رحمه الله: وأكثر العلماء حملوا هذا على الاستحباب مثل ما روى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=9620 : إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه } متفق عليه انتهى . وإنما مثل nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف محل النزاع بهذا الحديث لأنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب nindex.php?page=treesubj&link=66_26885الاستنثار عند الاستيقاظ ولم يذهب إلى وجوبه أحد ، وإنما شرع لأنه يذهب ما يلصق بمجرى النفس من الأوساخ وينظفه فيكون سببا لنشاط القارئ وطرد الشيطان ، والخيشوم أعلى الأنف ، وقيل : هو الأنف كله وقيل : هو عظام رقاق لينة في أقصى الأنف بينه وبين الدماغ .
وقد وقع في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في بدء الخلق بلفظ { nindex.php?page=hadith&LINKID=9618إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه } فيحمل المطلق على المقيد ويكون الأمر بالاستنثار باعتبار إرادة الوضوء وفي وجوبه خلاف سيأتي .