( هذا كتاب يشتمل على جملة من الأحاديث النبوية التي ترجع أصول الأحكام إليها ويعتمد علماء أهل الإسلام عليها ) الإشارة بقوله هذا إلى المرتب الحاضر في الذهن من المعاني المخصوصة أو ألفاظها أو نقوش ألفاظها ، أو المعاني مع الألفاظ ، أو مع النقوش ، أو الألفاظ والنقوش ، أو مجموع الثلاثة ، وسواء كان وضع الديباجة قبل التصنيف أو بعده ، إذ لا وجود لواحد منها في الخارج .
وقد يقال : إن نفي وجود النقوش في الخارج خلاف المحسوس فكيف يصح جعل الإشارة إلى ما في الذهن على جميع التقادير ؟ ويجاب بأن الموجود من النقوش في الخارج لا يكون إلا شخصا ، ومن المعلوم أن نقوش كتاب المصنف الموجود حال الإشارة مثلا ليست المقصودة بالتسمية بل المقصود وصف النوع وتسميته وهو الدال على تلك الألفاظ المخصوصة أعم من أن يكون ذلك الشخص أو غيره مما يشاركه في ذلك المفهوم ، ولا شك أنه لا حصول لهذا الكلي ، فالإشارة على جميع التقادير إلى الحاضر في الذهن فيكون استعمال اسم الإشارة هنا مجازا تنزيلا للمعقول منزلة المحسوس للترغيب [ ص: 21 ] والتنشيط .
قال الدواني : ومن ههنا علمت أن أسامي الكتب من أعلام الأجناس عند التحقيق ( انتقيتها من صحيحي البخاري . ومسند الإمام ومسلم . وجامع أحمد بن حنبل أبي عيسى الترمذي ، وكتاب السنن لأبي عبد الرحمن النسائي ، وكتاب السنن . وكتاب السنن لأبي داود السجستاني ، واستغنيت بالعزو إلى هذه المسانيد عن الإطالة بذكر الأسانيد ) قوله : ( انتقيتها ) الانتقاء : الاختيار ، والمنتقى : المختار . لابن ماجه القزويني
ولنتبرك بذكر بعض أحوال هؤلاء الأئمة على أبلغ وجه في الاختصار فنقول : أما فهو البخاري حافظ الإسلام وإمام أئمته الأعلام . ولد ليلة الجمعة ثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ، وتوفي ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين وعمره اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوما ، ولم يعقب ولدا ذكرا . رحل في طلب العلم إلى جميع محدثي الأمصار وكتب أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري بخراسان والجبال والعراق والحجاز والشام ومصر .
وأخذ الحديث عن جماعة من الحفاظ منهم مكي بن إبراهيم البلخي ، وعبدان بن عثمان المروزي ، وعبد الله بن موسى العبسي ، وأبو عاصم الشيباني . ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، ومحمد بن يوسف الفريابي وأبو نعيم الفضل بن دكين ، ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين وإسماعيل بن أبي أويس المدني ، وغير هؤلاء من الأئمة . وأخذ الحديث عنه خلق كثير قال الفربري : سمع كتاب تسعون ألف رجل فما بقي أحد يروي عنه غيري . البخاري
قال : خرجت كتاب الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث وما وضعت فيه حديثا إلا وصليت ركعتين . وله وقائع وامتحانات ومجريات مبسوطة في المطولات من تراجمه . البخاري
وأما أحد الأئمة ، الحفاظ ، ولد سنة أربع ومائتين ، كذا قاله مسلم فهو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري . وقال ابن الأثير الذهبي في النبلاء : سنة ست . وتوفي عشية يوم الأحد لست أو لخمس أو لأربع بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة .
رحل إلى العراق والحجاز والشام ومصر وأخذ الحديث عن ، يحيى بن يحيى النيسابوري ، وقتيبة بن سعيد ، وإسحاق بن راهويه ، وعلي بن الجعد وأحمد بن حنبل ، وعبد الله القواريري ، وشريح بن يونس ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [ ص: 22 ] وحرملة بن يحيى ، وخلف بن هشام ، وغير هؤلاء من أئمة الحديث .
وروى عنه الحديث خلق كثير . منهم إبراهيم بن محمد بن سفيان ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم . قال الحسن بن محمد الماسرجسي : سمعت أبي يقول : سمعت يقول : صنفت المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة . قال مسلما محمد بن ياقوت الأخرم : قلما يفوت البخاري مما ثبت في الحديث حديث . وقال الخطيب ومسلما أبو بكر البغدادي : إنما قفا طريق مسلم ونظر في علمه وحذا حذوه . البخاري
وأما فهو الإمام الكبير المجمع على إمامته وجلالته أحمد بن حنبل ، رحل إلى أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني الشام والحجاز واليمن وغيرها وسمع من وطبقته ، وروى عنه جماعة من شيوخه وخلائق آخرون لا يحصون منهم سفيان بن عيينة البخاري . ومسلم
قال أبو زرعة كانت كتب اثني عشر حملا وكان يحفظها على ظهر قلبه وكان يحفظ ألف ألف حديث ، ولد في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين على الأصح ، وله كرامات جليلة ، وامتحن المحنة المشهورة . وقد طول المؤرخون ترجمته وذكروا فيها عجائب وغرائب . وترجمة أحمد بن حنبل الذهبي في النبلاء في مقدار خمسين ورقة وأفردت ترجمته بمصنفات مستقلة ، وله - رحمه الله - المسند الكبير انتقاه من أكثر من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف حديث ، ولم يدخل فيه إلا ما يحتج به ، وبالغ بعضهم فأطلق على جميع ما فيه أنه صحيح .
وأما ابن الجوزي فأدخل كثيرا منه في موضوعاته ، وتعقبه بعضهم في بعضها ، وقد حقق الحفاظ نفي الوضع عن جميع أحاديثه ، وأنه أحسن انتقاء وتحريرا من الكتب التي لم يلتزم مصنفوها الصحة في جميعها كالموطأ والسنن الأربع ، وليست الأحاديث الزائدة فيه على الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائدة في سنن أبي داود والترمذي .
وقد ذكر العراقي أن فيه تسعة أحاديث موضوعة ، وأضاف إليها خمسة عشر حديثا أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي فيه ، وأجاب عنها حديثا حديثا .
قال الأسيوطي : وقد فاته أحاديث أخر أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي فيه ، وقد جمعها السيوطي في جزء سماه الذيل الممهد وذب عنها وعدتها أربعة عشر حديثا . قال الحافظ ابن حجر في كتابه تعجيل المنفعة في رجال الأربعة : ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة ، منها حديث أنه يدخل الجنة زحفا . قال : والاعتذار عنه أنه مما أمر عبد الرحمن بن عوف بالضرب عليه فترك سهوا . أحمد
قال الهيثمي في زوائد المسند : إن مسند أصح صحيحا من غيره ، لا يوازي مسند أحمد كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته . أحمد
قال السيوطي في خطبة كتابه الجامع الكبير ما لفظه : وكل ما كان في مسند فهو مقبول ، فإن الضعيف [ ص: 23 ] الذي فيه يقرب من الحسن انتهى . أحمد
وأما الترمذي فهو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة - بفتح السين المهملة وسكون الواو وفتح الراء المهملة مخففة - ابن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي بتثليث الفوقية وكسر الميم أو ضمها بعدها ذال معجمة . ولد في ذي الحجة سنة مائتين ، وتوفي بترمذ ليلة الاثنين الثالث عشر من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين . هكذا في جامع الأصول وتذكرة الحفاظ ، وهو أحد الأعلام الحفاظ أخذ الحديث عن جماعة مثل قتيبة بن سعيد وإسحاق بن موسى ، ، ومحمود بن غيلان وسعيد بن عبد الرحمن ، ومحمد بن بشار ، وعلي بن حجر ، وأحمد بن منيع ، ومحمد بن المثنى ، ، وسفيان بن وكيع ، وغيرهم . ومحمد بن إسماعيل البخاري
وأخذ عنه خلق كثير منهم وغيره ، وله تصانيف في علم الحديث ، وكتابه الجامع أحسن الكتب وأكثرها فائدة وأحكمها ترتيبا وأقلها تكرارا ، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال والإشارة إلى ما في الباب من الأحاديث ، وتبيين أنواع الحديث من الصحة والحسن والغرابة والضعف ، وفيه جرح وتعديل وفي آخره كتاب العلل قد جمع فيه فوائد حسنة . محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي
قال النووي في التقريب : وتختلف النسخ من سنن الترمذي في قوله حسن أو حسن صحيح ونحوه ، فينبغي أن تعتني بمقابلة أصلك بأصول معتمدة وتعتمد ما اتفقت عليه انتهى .
قال الترمذي : صنفت كتابي هذا فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به ، وعرضته على علماء العراق فرضوا به ، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به ، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم .
وأما النسائي : فهو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان النسائي أحد الأئمة الحفاظ . والمهرة الكبار . ولد سنة أربع عشرة ومائتين ، ومات بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة ، وهو مدفون بها ، روى الحديث عن ، قتيبة بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم ، وحميد بن مسعدة ، ، وعلي بن خشرم ومحمد بن عبد الأعلى ، ، والحارث بن مسكين وهناد بن السري ومحمد بن بشار ، ، ومحمود بن غيلان وغير هؤلاء . وأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني
وأخذ عنه الحديث خلق منهم أبو بشر الدولابي ، وأبو القاسم الطبري ، ، وأبو جعفر الطحاوي ، ومحمد بن هارون بن شعيب وأبو الميمون بن راشد ، وإبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان ، وأبو بكر أحمد بن إسحاق السني الحافظ . وله مصنفات كثيرة في الحديث والعلل . منها السنن وهي أقل السنن الأربع بعد الصحيح حديثا ضعيفا . قال الذهبي والتاج السبكي : إن أحفظ من النسائي صاحب الصحيح . [ ص: 24 ] مسلم
وأما أبو داود فهو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني بفتح السين وكسر الجيم والكسر أكثر ، أحد من رحل وطوف البلاد وجمع وصنف وكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والمصريين والجزريين . ولد سنة ثنتين ومائتين ، وتوفي بالبصرة لأربع عشرة ليلة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين .
وأخذ الحديث عن مسلم بن إبراهيم ، ، وسليمان بن حرب ، وعثمان بن أبي شيبة وأبي الوليد الطيالسي ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي ، ، ومسدد بن مسرهد ، ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل ، وقتيبة بن سعيد ، وغيرهم ممن لا يحصى كثرة . وأخذ عنه الحديث ابنه ، وأحمد بن يونس عبد الله ، وأبو عبد الرحمن النسائي ، وأحمد بن محمد الخلال ، وأبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي . قال أبو بكر بن داسة : قال أبو داود : كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب : يعني كتاب السنن : جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه .
قال : كتاب السنن الخطابي لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله ، وقد رزق القبول من كافة الناس على اختلاف مذاهبهم ، فصار حكما بين العلماء وطبقات المحدثين والفقهاء ، ولكل واحد فيه ورد ومنه شرب ، وعليه معول أهل العراق ومصر وبلاد المغرب وكثير من مدن أقطار الأرض . قال : قال أبو داود : ما ذكرت في كتابي حديثا أجمع الناس على تركه . قال أيضا : هو أحسن وضعا وأكثر فقها من الصحيحين . الخطابي
وأما ابن ماجه فهو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن عبد الله بن ماجه القزويني مولى ربيعة بن عبد الله ، ولد سنة تسع ومائتين ، ومات يوم الثلاثاء لثمان بقين من رمضان سنة ثلاث أو خمس وسبعين ومائتين ، وهو أحد الأعلام المشاهير ، ألف سننه المشهورة ، وهي إحدى السنن الأربع وإحدى الأمهات الست ، وأول من عدها من الأمهات ابن طاهر في الأطراف ثم الحافظ عبد الغني .
قال ابن كثير : إنها كتاب مفيد قوي التبويب في الفقه ، رحل وطوف الأقطار ، وسمع من جماعة منهم : أصحاب ابن ماجه مالك ، وروى عنه جماعة منهم : ، والليث أبو الحسن القطان .
( والعلامة لما رواه البخاري أخرجاه ولبقيتهم رواه الخمسة ولهم سبعتهم رواه الجماعة . ومسلم مع ولأحمد البخاري متفق عليه ، وفيما سوى ذلك أسمي من رواه منهم ولم أخرج فيما عزوته عن كتبهم إلا في مواضع يسيرة ، وذكرت في ضمن ذلك شيئا يسيرا من آثار الصحابة رضي الله عنهم ، ورتبت الأحاديث في هذا الكتاب على [ ص: 25 ] ترتيب فقهاء أهل زماننا لتسهل على مبتغيها ، وترجمت لها أبوابا ببعض ما دلت عليه من الفوائد ، ونسأل الله أن يوفقنا للصواب ويعصمنا من كل خطأ وزلل إنه جواد كريم ) قوله : ( ومسلم مع لأحمد . . . إلخ ) المشهور عند الجمهور أن المتفق عليه هو ما اتفق عليه الشيخان من دون اعتبار أن يكون معهما غيرهما والمصنف - رحمه الله - قد جعل المتفق عليه ما اتفقا عليه البخاري ولا مشاحة في الاصطلاح قوله : ( ولم أخرج ) هو من الخروج لا من التخريج أي إنه اقتصر في كتابه هذا على العزو إلى الأئمة المذكورين ، وقد يخرج عن ذلك في مواضع يسيرة فيروي عن غيرهم وأحمد كالدارقطني والبيهقي وسعيد بن منصور . والأثرم
واعلم أن ما كان من الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما جاز الاحتجاج به من دون بحث ; لأنهما التزما الصحة وتلقت ما فيهما الأمة بالقبول ، قال ابن الصلاح : إن العلم اليقيني النظري واقع بما أسنداه ; لأن ظن المعصوم لا يخطئ وقد سبقه إلى مثل ذلك ، محمد بن طاهر المقدسي وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف ، واختاره ابن كثير وحكاه ابن تيمية عن أهل الحديث وعن السلف وعن جماعات كثيرة من الشافعية والحنابلة والأشاعرة والحنفية وغيرهم .
قال النووي : وخالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا : يفيد الظن ما لم يتواتر ونحو ذلك حكى زين الدين عن المحققين قال : وقد استثنى ابن الصلاح أحرفا يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد وغيره ، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن وهكذا يجوز الاحتجاج بما صححه أحد الأئمة المعتبرين مما كان خارجا عن الصحيحين ، وكذا يجوز الاحتجاج بما كان في المصنفات المختصة بجمع الصحيح ، كصحيح كالدارقطني ابن خزيمة ومستدرك وابن حبان والمستخرجات على الصحيحين ; لأن المصنفين لها قد حكموا بصحة كل ما فيها حكما عاما ، وهكذا يجوز الاحتجاج بما صرح أحد الأئمة المعتبرين بحسنه ; لأن الحسن يجوز العمل به عند الجمهور ، ولم يخالف في الجواز إلا الحاكم البخاري ، والحق ما قاله الجمهور ; لأن أدلة وجوب العمل بالآحاد وقبولها شاملة له . وابن العربي
ومن هذا القبيل ما سكت عنه أبو داود وذلك لما رواه ابن الصلاح عن أبي داود أنه قال : ما كان في كتابي هذا من حديث فيه وهن شديد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح ، وبعضها أصح من بعض . قال : وروينا عنه أنه قال : ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه . قال الإمام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير : إنه أجاز ابن الصلاح والنووي وغيرهما من الحفاظ العمل بما سكت عنه أبو داود لأجل هذا الكلام المروي عنه وأمثاله مما روي عنه .
قال النووي : إلا أن يظهر في بعضها أمر يقدح في الصحة والحسن وجب [ ص: 26 ] ترك ذلك . قال ابن الصلاح : وعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا ولم نعلم صحته عرفنا أنه من الحسن عند أبي داود ; لأن ما سكت عنه يحتمل عند أبي داود الصحة والحسن انتهى . وقد اعتنى - رحمه الله - في نقد الأحاديث المذكورة في سنن المنذري أبي داود وبين ضعف كثير مما سكت عنه ، فيكون ذلك خارجا عما يجوز العمل به ، وما سكتا عليه جميعا فلا شك أنه صالح للاحتجاج إلا في مواضع يسيرة قد نبهت على بعضها في هذا الشرح .
وكذا قيل : إن ما سكت عنه الإمام من أحاديث مسنده صالح للاحتجاج لما قدمنا في ترجمته . أحمد
وأما بقية السنن والمسانيد التي لم يلتزم مصنفوها الصحة فما وقع التصريح بصحته أو حسنه منهم أو من غيرهم جاز العمل به . وما وقع التصريح كذلك بضعفه لم يجز العمل به ، وما أطلقوه ولم يتكلموا عليه ولا تكلم عليه غيرهم لم يجز العمل به إلا بعد البحث عن حاله إن كان الباحث أهلا لذلك ، وقد بحثنا عن الأحاديث الخارجة عن الصحيحين في هذا الكتاب وتكلمنا عليها بما أمكن الوقوف عليه من كلام الحفاظ وما بلغت إليه القدرة .
ومن عرف طول ذيل هذا الكتاب الذي تصدينا لشرحه وكثرة ما اشتمل عليه من أحاديث الأحكام علم أن بعض الكلام على أحاديثه على الحد المعتبر متعسر ، لا سيما ما كان منها في مسند الإمام . وقد ذكر جماعة من أئمة فن الحديث أن هذا الكتاب من أحسن الكتب المصنفة في الفن لولا عدم تعرض مؤلفه - رحمه الله - للكلام على التصحيح والتحسين والتضعيف في الغالب . أحمد
قال في البدر المنير ما لفظه : وأحكام الحافظ مجد الدين عبد السلام بن تيمية المسمى بالمنتقى هو كاسمه ، وما أحسنه لولا إطلاقه في كثير من الأحاديث العزو إلى الأئمة دون التحسين والتضعيف فيقول مثلا : رواه ، رواه أحمد ، رواه الدارقطني أبو داود ويكون الحديث ضعيفا . وأشد من ذلك كون الحديث في جامع الترمذي مبينا ضعفه فيعزوه إليه من دون بيان ضعفه ، وينبغي للحافظ جمع هذه المواضع وكتبها على حواشي هذا الكتاب ، أو جمعها في مصنف يستكمل فائدة الكتاب المذكور انتهى . وقد أعانني الله - وله الحمد - على القيام بما أرشد إليه هذا الحافظ مع زيادات إليها تشد رحال الطلاب ، وتنقيحات تنقطع بتحقيقها علائق الشك والارتياب . والمسئول من الله جل جلاله الإعانة على التمام . وتبليغنا بما لاقيناه في تحريره وتقريره إلى دار السلام .
كتاب