الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            921 - ( وعن أبي بن كعب { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر ب { سبح اسم ربك الأعلى } ، وفي الركعة الثانية ب { قل يا أيها الكافرون } ، وفي الثالثة ب { قل هو الله أحد } ولا يسلم إلا في آخرهن . } رواه النسائي )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث رجال إسناده ثقات إلا عبد العزيز بن خالد وهو مقبول . وقد أخرجه أيضا [ ص: 44 ] أحمد وأبو داود وابن ماجه بدون قوله " ولا يسلم إلا في آخرهن " وفي الباب عن ابن عباس عند الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة بلفظ { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى ، وقل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد في ركعة ركعة } ولم يذكر فيه " ولا يسلم إلا في آخرهن " أيضا .

                                                                                                                                            وعن عبد الرحمن بن أبزى عند النسائي بنحو حديث ابن عباس ، وقد اختلف في صحبته ، وفي إسناد حديثه هذا وسيأتي . وعن أنس عند محمد بن نصر المروزي بنحو حديث ابن عباس وعن عبد الله بن أبي أوفى عند البزار بنحوه . وعن عبد الله بن عمر عند الطبراني والبزار أيضا بنحوه وفي إسناده سعيد بن سنان وهو ضعيف جدا وعن عبد الله بن مسعود عند البزار ، وأبي يعلى والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه أيضا وفي إسناده عبد الملك بن الوليد بن معدان ، وثقه يحيى بن معين ، وضعفه البخاري وغير واحد . وعن عبد الرحمن بن سبرة عند الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه أيضا وفي إسناده إسماعيل بن رزين ، ذكره الأزدي في الضعفاء وابن حبان في الثقات . وعن عمران بن حصين عند النسائي والطبراني بنحوه أيضا . وعن النعمان بن بشير عند الطبراني في الأوسط بنحوه وفي إسناده السري بن إسماعيل ، وهو ضعيف . وعن أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط بزيادة ، والمعوذتين في الثالثة وفي إسناده المقدام بن داود وهو ضعيف .

                                                                                                                                            وعن عائشة عند أبي داود والترمذي بزيادة " كل سورة في ركعة وفي الأخيرة { قل هو الله أحد } والمعوذتين " وفي إسناده خصيف الجزري ، وفيه لين ورواه الدارقطني وابن حبان والحاكم من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة ، وتفرد به يحيى بن أيوب عنه وفيه مقال ، ولكنه صدوق ، وقال العقيلي : إسناده صالح قال ابن الجوزي : وقد أنكر أحمد ويحيى زيادة المعوذتين

                                                                                                                                            وروى ابن السكن في صحيحه لذلك شاهدا من حديث عبد الله بن سرجس بإسناد غريب . وروى المعوذتين محمد بن نصر من حديث ابن ضميرة عن أبيه عن جده ، وهو حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة وهو ضعيف عند أحمد وابن معين وأبي زرعة وأبي حاتم وغيرهم . وكذبه مالك ، وأبوه لا يعرف ، وجده ضميرة يقال : إنه مولى النبي ، صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                            والأحاديث تدل على مشروعية قراءة هذه السور في الوتر ، وحديث الباب يدل أيضا على مشروعية الإيتار بثلاث ركعات متصلة ، وسيأتي الكلام على ذلك .

                                                                                                                                            922 - ( وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يفصل بينهن . } رواه أحمد والنسائي ولفظه : كان لا يسلم في ركعتي الوتر . وقد ضعف أحمد إسناده ، وإن ثبت فيكون قد فعله أحيانا كما أوتر بالخمس والسبع والتسع كما سنذكره )

                                                                                                                                            [ ص: 45 ] 923 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا توتروا بثلاث ، أوتروا بخمس أو سبع ، ولا تشبهوا بصلاة المغرب } . رواه الدارقطني بإسناده ، وقال : كلهم ثقات ) أما حديث عائشة فأخرجه أيضا البيهقي والحاكم بلفظ أحمد ، وأخرجه أيضا البيهقي والحاكم بلفظ النسائي ، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، وأخرج الحاكم أيضا من حديث عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث } وليس فيه لا يفصل بينهن ، وصححه ، وقال : على شرط الشيخين ، وأخرجه أيضا الترمذي .

                                                                                                                                            وأخرج الشيخان وغيرهما عنها أنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثا } وفي الباب عن علي عند الترمذي بلفظ { كان يوتر بثلاث } . وعن عمران بن حصين عند محمد بن نصر بلفظ حديث علي . وعن ابن عباس عند مسلم وأبي داود والنسائي بلفظ { أوتر بثلاث } . وعن أبي أيوب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ { ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل } وعن أبي بن كعب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه أيضا بنحو حديث علي . وعن عبد الرحمن بن أبزى عند النسائي بنحوه أيضا . وعن ابن عمر عند ابن ماجه بنحوه أيضا وعن ابن مسعود عند الدارقطني بنحوه أيضا ، وفي إسناده يحيى بن زكريا بن أبي الحواجب ، وهو ضعيف . وعن أنس عند محمد بن نصر بنحوه أيضا . وعن ابن أبي أوفى عند البزار بنحوه أيضا . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه قال الحافظ : ورجاله كلهم ثقات ، ولا يضره وقف من وقفه .

                                                                                                                                            وأخرجه أيضا محمد بن نصر من رواية عراك بن مالك عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا توتروا بثلاث ولا تشبهوا بالمغرب ، ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو أكثر من ذلك } قال العراقي : وإسناده صحيح وأخرج أيضا من رواية عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا توتروا بثلاث ، أوتروا بخمس أو بسبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب } قال العراقي أيضا : وإسناده صحيح .

                                                                                                                                            ثم روى محمد بن نصر قول مقسم أن الوتر لا يصلح إلا بخمس أو سبع ، وأن الحكم بن عتيبة سأله عمن ؟ فقال : عن الثقة عن عائشة وميمونة .

                                                                                                                                            وقد روى نحوه النسائي عن ميمونة مرفوعا وروى محمد بن نصر أيضا بإسناده قال العراقي أيضا : صحيح عن ابن عباس قال : { الوتر سبع أو خمس ولا نحب ثلاثا بتراء } .

                                                                                                                                            وروي أيضا عن عائشة بإسناد قال العراقي أيضا : صحيح أنها قالت : { الوتر سبع أو خمس ، وإني لأكره أن يكون ثلاثا بتراء }

                                                                                                                                            وروي أيضا بإسناد صححه العراقي أيضا [ ص: 46 ] عن سليمان بن يسار أنه سئل عن الوتر بثلاث ، فكره الثلاث ، وقال : لا تشبه التطوع بالفريضة ، أوتر ، بركعة أو بخمس أو بسبع قال محمد بن نصر : لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا ثابتا صريحا أنه أوتر بثلاث موصولة ، قال : نعم ، ثبت عنه أنه أوتر بثلاث لكن لم يبين الراوي هل هي موصولة أو مفصولة ؟ ا هـ وتعقبه العراقي والحافظ بحديث عائشة الذي ذكره المصنف ، وبحديث كعب بن عجرة المتقدم . قالا : ويجاب عن ذلك باحتمال أنهما لم يثبتا عنده . وقد قال البيهقي في حديث عائشة المذكور : إنه خطأ .

                                                                                                                                            وجمع الحافظ بين الأحاديث يحمل أحاديث النهي على الإيتار بثلاث بتشهدين ; لمشابهة ذلك لصلاة المغرب ، وأحاديث الإيتار بثلاث على أنها متصلة بتشهد في آخرها .

                                                                                                                                            وروي فعل ذلك عن جماعة من السلف

                                                                                                                                            ويمكن الجمع بحمل النهي على الإيتار بثلاث على الكراهة ، والأحوط ترك الإيتار بثلاث مطلقا ، لأن الإحرام بها متصلة بتشهد واحد في آخرها ربما حصلت به المشابهة لصلاة المغرب ، وإن كانت المشابهة الكاملة تتوقف على فعل التشهدين ، وقد جعل الله في الأمر سعة ، وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم الوتر على هيئات متعددة ، فلا ملجئ إلى الوقوع في مضيق التعارض .

                                                                                                                                            924 - ( وعن أم سلمة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام } رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            925 - ( وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، يوتر من ذلك بخمس ، ولا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            الحديث الأول رواه النسائي وابن ماجه من رواية الحكم عن مقسم عن أم سلمة وقد روي في الإيتار بسبع وبخمس أحاديث . منها عن عائشة عند محمد بن نصر بلفظ { أوتر بخمس ، وأوتر بسبع }

                                                                                                                                            وعن ابن عباس عند أبي داود بلفظ { ثم صلى سبعا أو خمسا أوتر بهن ولم يسلم إلا في آخرهن } . وعن أبي أيوب عند النسائي بلفظ { الوتر حق ، فمن شاء أوتر بسبع ، ومن شاء أوتر بخمس }

                                                                                                                                            وعن ميمونة عند النسائي " بلفظ لا يصلح - يعني الوتر - إلا بتسع أو خمس " وعن أبي هريرة عند الدارقطني وقد تقدم .

                                                                                                                                            وفي الإيتار بخمس أو بسبع أحاديث كثيرة ، قد تقدم بعضها ، وسيأتي بعضها . قال الترمذي : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { الوتر بثلاث عشرة وإحدى عشرة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة } ا هـ

                                                                                                                                            وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس بلفظ { أوتر بخمس لم يجلس بينهن } وأخرجه البخاري عنه بلفظ " صلى خمس ركعات "

                                                                                                                                            وأخرج الترمذي وحسنه [ ص: 47 ] النسائي عن أم سلمة { أنه صلى الله عليه وسلم أوتر بسبع } وسيأتي عن عائشة نحوه

                                                                                                                                            وعن أبي أمامة عند أحمد والطبراني نحوه بإسناد صحيح . وعن ابن عباس عند محمد بن نصر نحوه . والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية الإيتار بخمس ركعات أو بسبع ، وهي ترد على من قال بتعين الثلاث ، وقد تقدم ذكرهم

                                                                                                                                            926 - ( وعن سعيد بن هشام أنه قال لعائشة : { أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت : كنا نعد له سواكه وطهوره ، فيبعثه الله متى شاء أن يبعثه من الليل ، فيتسوك ويتوضأ ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة ، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يقوم فيصلي التاسعة ، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم يسلم تسليما يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد ، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني ، فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع ، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول ، فتلك تسع يا بني ، وكان نبي الله إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها ، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل ، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ، ولا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ، ولا قام ليلة حتى أصبح ، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان } . رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وفي رواية لأحمد والنسائي وأبي داود نحوه ، وفيها : { فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ، ولم يسلم إلا في السابعة } وفي رواية للنسائي قال { : فلما أسن وأخذه اللحم صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن } ) .

                                                                                                                                            الإيتار بتسع مروي من طريق جماعة من الصحابة غير عائشة ، والإيتار بسبع قد تقدم ذكر طرقه ، قوله : ( فيتسوك ويتوضأ ) فيه استحباب السواك عند القيام من النوم ، قوله : ( ويصلي تسع ركعات ) . . . إلخ ، فيه مشروعية الإيتار بتسع ركعات متصلة ، لا يسلم إلا في آخرها ، ويقعد في الثامنة ، ولا يسلم ، قوله : ( ثم يسلم تسليما يسمعنا ) فيه استحباب الجهر بالتسليم ، قوله : ( ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد ) أخذ بظاهر الحديث الأوزاعي وأحمد فيما حكاه القاضي عنهما ، وأباحا ركعتين بعد الوتر جالسا . قال أحمد : لا أفعله ولا أمنع من فعله

                                                                                                                                            قال : وأنكره مالك . قال النووي : الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالسا لبيان الجواز ، ولم يواظب على ذلك ، بل فعله مرة أو مرات قليلة

                                                                                                                                            قال : ولا يغتر بقولها : كان يصلي ، فإن المختار الذي عليه الأكثرون من الأصوليين أن لفظة " كان " لا يلزم منها الدوام ولا التكرار ، وإنما هي فعل ماض تدل على وقوعه مرة ، فإن دل دليل عمل به ، وإلا فلا تقتضيه بوضعها ، وقد قالت [ ص: 48 ] عائشة : { كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف } ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة ، وهي حجة الوداع . قال : ولا يقال : لعلها طيبته في إحرامه بعمرة ، لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالإجماع ، فثبت أنها استعملت كان في مرة واحدة

                                                                                                                                            قال : وإنما تأولنا حديث الركعتين ; لأن الروايات المشهورة في الصحيحين مصرحة بأن آخر صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل كانت وترا .

                                                                                                                                            وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا ، فكيف يظن به صلى الله عليه وسلم مع هذه الأحاديث وأشباهها ، أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ، ويجعلهما آخر صلاة الليل

                                                                                                                                            قال : وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ، ورد رواية الركعتين فليس بصواب ، لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين ، وقد جمعنا بينها ولله الحمد ا هـ . وأقول : وأما الأحاديث التي فيها الأمر للأمة بأن يجعلوا آخر صلاة الليل وترا ، فلا معارضة بينها وبين فعله صلى الله عليه وسلم للركعتين بعد الوتر ، لما تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة ، فلا معنى للاستنكار

                                                                                                                                            وأما أحاديث أنه كان آخر صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل وترا فليس فيها ما يدل على الدوام لما قرره من عدم دلالة لفظ كان عليه ، فطريق الجمع باعتباره صلى الله عليه وسلم أن يقال : إنه كان يصلي الركعتين بعد الوتر تارة ، ويدعهما تارة . وأما باعتبار الأمة فغير محتاج إلى الجمع لما عرفت من أن الأوامر بجعل آخر صلاة الليل وترا مختصة بهم ، وأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض ذلك

                                                                                                                                            قال ابن القيم في الهدي : وقد أشكل هذا ، يعني حديث الركعتين بعد الوتر على كثير من الناس فظنوه معارضا لقوله صلى الله عليه وسلم : { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } ثم حكي عن مالك وأحمد ما تقدم ، وحكي عن طائفة ما قدمنا عن النووي ، ثم قال : والصواب أن يقال : إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر ، فإن الوتر عبادة مستقلة ، ولا سيما إن قيل بوجوبه فتجري الركعتين بعده مجرى سنة المغرب من المغرب ، فإنها وتر النهار ، والركعتان بعدها تكميل لها ، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل ، والله أعلم ا هـ

                                                                                                                                            والظاهر ما قدمنا من اختصاص ذلك به صلى الله عليه وسلم وقد ورد فعله صلى الله عليه وسلم لهاتين الركعتين بعد الوتر من طريق أم سلمة عند أحمد في المسند ، ومن طريق غيرها قال الترمذي : روي نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي المسند أيضا والبيهقي عن أبي أمامة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر ، وهو جالس يقرأ فيهما ب { إذا زلزلت الأرض زلزالها } ، و { قل يا أيها الكافرون } } ، وروى الدارقطني نحوه من حديث أنس ، وسيأتي ذكر القائلين باستحباب التنفل لمن استيقظ من النوم ، وقد كان أوتر قبله

                                                                                                                                            وحديث أبي بكر وعمر الدال على جواز [ ص: 49 ] ذلك في باب " لا وتران في ليلة " ، قوله : ( صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ) فيه مشروعية قضاء الوتر وسيأتي ، قوله : ( ولا صام شهرا كاملا ) سيأتي في باب ما جاء في صوم شعبان من كتاب الصيام عن عائشة ما يدل على أنه كان يصوم شعبان كله ، ويأتي الكلام هنالك إن شاء الله تعالى ، قوله : ( لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ) وفي الرواية الثانية : { صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن } . الرواية الأولى تدل على إثبات القعود في السادسة ، والرواية الثانية تدل على نفيه

                                                                                                                                            ويمكن الجمع بحمل النفي للقعود في الرواية الثانية على القعود الذي يكون فيه التسليم . وظاهر هذا الحديث وغيره من الأحاديث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يوتر بدون سبع ركعات . وقال ابن حزم في المحلى : إن الوتر وتهجد الليل ينقسم إلى ثلاثة عشر وجها أيها فعل أجزأه ، ثم ذكرها ، واستدل على كل واحد منها ، ثم قال : وأحبها إلينا وأفضلها ، أن يصلي ثنتي عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ، ثم يصلي ركعة واحدة ويسلم .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية