nindex.php?page=treesubj&link=28973القول في تأويل قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=88فقليلا ما يؤمنون ( 88 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( فقليلا ما يؤمنون ) . فقال بعضهم ، معناه فقليل منهم من يؤمن ، أي لا يؤمن منهم إلا قليل .
ذكر من قال ذلك :
1514 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=88بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ) ، فلعمري لمن رجع من أهل الشرك أكثر ممن رجع من أهل الكتاب ، إنما آمن من أهل الكتاب رهط يسير .
1515 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة : ( فقليلا ما يؤمنون ) ، قال : لا يؤمن منهم إلا قليل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فلا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم .
ذكر من قال ذلك :
1516 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
أبو سفيان ، عن
معمر ، عن
قتادة : ( فقليلا ما يؤمنون ) ، قال : لا يؤمن منهم إلا قليل . قال
معمر : وقال غيره : لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلات في قوله : ( فقليلا ما يؤمنون ) بالصواب ،
[ ص: 330 ] ما نحن متقنوه إن شاء الله . وهو أن الله - جل ثناؤه - أخبر أنه لعن الذين وصف صفتهم في هذه الآية ، ثم أخبر عنهم أنهم قليلو الإيمان بما أنزل الله إلى نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم . ولذلك نصب قوله : ( فقليلا ) ، لأنه نعت للمصدر المتروك ذكره . ومعناه : بل لعنهم الله بكفرهم ، فإيمانا قليلا ما يؤمنون ، فقد تبين إذا بما بينا فساد القول الذي روي عن
قتادة في ذلك؛ لأن معنى ذلك ، لو كان على ما روي من أنه يعني به : فلا يؤمن منهم إلا قليل ، أو فقليل منهم من يؤمن ، لكان "القليل " مرفوعا لا منصوبا . لأنه إذا كان ذلك تأويله ، كان "القليل " حينئذ مرافعا "ما " . فإذ نصب "القليل " - و"ما " في معنى "من " أو "الذي " - [ فقد ] بقيت "ما " لا مرافع لها . وذلك غير جائز في لغة أحد من العرب .
فأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في معنى "ما " التي في قوله : ( فقليلا ما يؤمنون ) . فقال بعضهم : هي زائدة لا معنى لها ، وإنما تأويل الكلام : فقليلا يؤمنون ، كما قال جل ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فبما رحمة من الله لنت لهم ) [ آل عمران : 159 ] وما أشبه ذلك ، فزعم أن "ما " في ذلك زائدة ، وأن معنى الكلام : فبرحمة من الله لنت لهم ، وأنشد في ذلك محتجا لقوله ذلك -
بيت مهلهل :
لو بأبانين جاء يخطبها خضب ما أنف خاطب بدم
وزعم أنه يعني : خضب أنف خاطب بدم ، وأن "ما " زائدة .
وأنكر آخرون ما قاله قائل هذا القول في "ما " ، في الآية وفي البيت الذي
[ ص: 331 ] أنشده ، وقالوا : إنما ذلك من المتكلم على ابتداء الكلام بالخبر عن عموم جميع الأشياء ، إذ كانت "ما " كلمة تجمع كل الأشياء ، ثم تخص وتعم ما عمته بما تذكره بعدها .
وهذا القول عندنا أولى بالصواب؛ لأن زيادة ما لا يفيد من الكلام معنى في الكلام غير جائز إضافته إلى الله جل ثناؤه .
ولعل قائلا أن يقول : هل كان للذين أخبر الله عنهم أنهم قليلا ما يؤمنون - من الإيمان قليل أو كثير ، فيقال فيهم : "فقليلا ما يؤمنون "؟
قيل : إن
nindex.php?page=treesubj&link=28647معنى "الإيمان " هو التصديق ، وقد كانت
nindex.php?page=treesubj&link=32424_32422_32426اليهود التي أخبر الله عنها هذا الخبر تصدق بوحدانية الله ، وبالبعث والثواب والعقاب ، وتكفر
بمحمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وكل ذلك كان فرضا عليهم الإيمان به ، لأنه في كتبهم ، ومما جاءهم به
موسى ، فصدقوا ببعض - وذلك هو القليل من إيمانهم - وكذبوا ببعض ، فذلك هو الكثير الذي أخبر الله عنهم أنهم يكفرون به .
وقد قال بعضهم : إنهم كانوا غير مؤمنين بشيء ، وإنما قيل : ( فقليلا ما يؤمنون ) ، وهم بالجميع كافرون ، كما تقول العرب : "قلما رأيت مثل هذا قط " . وقد روي عنها سماعا منها : مررت ببلاد قلما تنبت إلا الكراث والبصل " يعني : ما تنبت غير الكراث والبصل ، وما أشبه ذلك من الكلام الذي ينطق به بوصف الشيء ب "القلة " ، والمعنى فيه نفي جميعه .
nindex.php?page=treesubj&link=28973الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=88فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ( 88 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : ( فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ) . فَقَالَ بَعْضُهُمْ ، مَعْنَاهُ فَقَلِيلٌ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ ، أَيْ لَا يُؤْمِنُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1514 - حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=88بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ) ، فَلَعَمْرِي لِمَنْ رَجَعَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أَكْثَرُ مِمَّنْ رَجَعَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، إِنَّمَا آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ رَهْطٌ يَسِيرٌ .
1515 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ : ( فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ) ، قَالَ : لَا يُؤْمِنُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1516 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو سُفْيَانَ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ : ( فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ) ، قَالَ : لَا يُؤْمِنُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ . قَالَ
مَعْمَرٌ : وَقَالَ غَيْرُهُ : لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ فِي قَوْلِهِ : ( فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ) بِالصَّوَابِ ،
[ ص: 330 ] مَا نَحْنُ مُتْقِنُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَخْبَرَ أَنَّهُ لَعَنَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَلِيلُو الْإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَى نَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلِذَلِكَ نَصَبَ قَوْلَهُ : ( فَقَلِيلًا ) ، لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَتْرُوكِ ذِكْرُهُ . وَمَعْنَاهُ : بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ ، فَإِيمَانًا قَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ، فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا بِمَا بَيَّنَّا فَسَادُ الْقَوْلِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ
قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ ، لَوْ كَانَ عَلَى مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ : فَلَا يُؤْمِنُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ، أَوْ فَقَلِيلٌ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ ، لَكَانَ "الْقَلِيلُ " مَرْفُوعًا لَا مَنْصُوبًا . لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيلَهُ ، كَانَ "الْقَلِيلُ " حِينَئِذٍ مُرَافِعًا "مَا " . فَإِذْ نُصِبَ "الْقَلِيلُ " - وَ"مَا " فِي مَعْنَى "مَنْ " أَوْ "الَّذِي " - [ فَقَدْ ] بَقِيَتْ "مَا " لَا مُرَافِعَ لَهَا . وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي لُغَةِ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ .
فَأَمَّا أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى "مَا " الَّتِي فِي قَوْلِهِ : ( فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ) . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ زَائِدَةٌ لَا مَعْنَى لَهَا ، وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ الْكَلَامِ : فَقَلِيلًا يُؤْمِنُونَ ، كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 159 ] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، فَزَعَمَ أَنَّ "مَا " فِي ذَلِكَ زَائِدَةٌ ، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ : فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ مُحْتَجًّا لِقَوْلِهِ ذَلِكَ -
بَيْتَ مُهَلْهَلَ :
لَوْ بَأَبَانَيْنِ جَاءَ يَخْطُبُهَا خُضِّبَ مَا أَنْفُ خَاطِبٍ بِدَمِ
وَزَعَمَ أَنَّهُ يَعْنِي : خُضِبَ أَنْفُ خَاطِبٍ بِدَمِ ، وَأَنْ "مَا " زَائِدَةٌ .
وَأَنْكَرَ آخَرُونَ مَا قَالَهُ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي "مَا " ، فِي الْآيَةِ وَفِي الْبَيْتِ الَّذِي
[ ص: 331 ] أَنْشَدَهُ ، وَقَالُوا : إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ بِالْخَبَرِ عَنْ عُمُومِ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ، إِذْ كَانَتْ "مَا " كَلِمَةً تَجْمَعُ كُلَّ الْأَشْيَاءِ ، ثُمَّ تَخُصُّ وَتَعُمُّ مَا عَمَّتْهُ بِمَا تَذَكْرُهُ بَعْدَهَا .
وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا لَا يُفِيدُ مِنَ الْكَلَامِ مَعْنًى فِي الْكَلَامِ غَيْرُ جَائِزٍ إِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ .
وَلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُولَ : هَلْ كَانَ لِلَّذِينِ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ - مِنَ الْإِيمَانِ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ ، فَيُقَالُ فِيهِمْ : "فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ "؟
قِيلَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28647مَعْنَى "الْإِيمَانِ " هُوَ التَّصْدِيقُ ، وَقَدْ كَانَتِ
nindex.php?page=treesubj&link=32424_32422_32426الْيَهُودُ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهَا هَذَا الْخَبَرَ تُصَدِّقُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ ، وَبِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، وَتَكْفُرُ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّتِهِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمُ الْإِيمَانُ بِهِ ، لِأَنَّهُ فِي كُتُبِهِمْ ، وَمِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ
مُوسَى ، فَصَدَّقُوا بِبَعْضٍ - وَذَلِكَ هُوَ الْقَلِيلُ مِنْ إِيمَانِهِمْ - وَكَذَّبُوا بِبَعْضٍ ، فَذَلِكَ هُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِهِ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُمْ كَانُوا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ بِشَيْءٍ ، وَإِنَّمَا قِيلَ : ( فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ) ، وَهُمْ بِالْجَمِيعِ كَافِرُونَ ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ : "قَلَّمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا قَطُّ " . وَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا سَمَاعًا مِنْهَا : مَرَرْتُ بِبِلَادٍ قَلَّمَا تُنْبِتُ إِلَّا الْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ " يَعْنِي : مَا تُنْبِتُ غَيْرَ الْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يُنْطَقُ بِهِ بِوَصْفِ الشَّيْءِ بِ "الْقِلَّةِ " ، وَالْمَعْنَى فِيهِ نَفْيُ جَمِيعِهِ .