القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28988_19960_32419_30539nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ( 8 ) )
يقول تعالى ذكره : لعل ربكم يا
بني إسرائيل أن يرحمكم بعد انتقامه منكم بالقوم الذين يبعثهم الله عليكم ليسوء مبعثه عليكم وجوهكم ، وليدخلوا المسجد
[ ص: 389 ] كما دخلوه أول مرة ، فيستنقذكم من أيديهم ، وينتشلكم من الذل الذي يحله بكم ، ويرفعكم من الخمولة التي تصيرون إليها ، فيعزكم بعد ذلك ، وعسى من الله : واجب ، وفعل الله ذلك بهم ، فكثر عددهم بعد ذلك ، ورفع خساستهم ، وجعل منهم الملوك والأنبياء ، فقال جل ثناؤه لهم : وإن عدتم يا معشر
بني إسرائيل لمعصيتي وخلاف أمري ، وقتل رسلي ، عدنا عليكم بالقتل والسباء ، وإحلال الذل والصغار بكم ، فعادوا ، فعاد الله عليهم بعقابه وإحلال سخطه بهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا ابن
عطية ، عن
عمر بن ثابت ، عن أبيه ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا ) قال : عادوا فعاد ، ثم عادوا فعاد ، ثم عادوا فعاد . قال : فسلط الله عليهم ثلاثة ملوك من ملوك
فارس :
سندبادان وشهربادان وآخر .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قال : قال الله تبارك وتعالى بعد الأولى والآخرة (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا ) قال : فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم ) فعاد الله عليهم بعائدته ورحمته (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وإن عدتم عدنا ) قال : عاد القوم بشر ما يحضرهم ، فبعث الله عليهم ما شاء أن يبعث من نقمته وعقوبته ، ثم كان ختام ذلك أن بعث الله عليهم هذا الحي من العرب ، فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة; قال الله عز وجل في آية أخرى (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=167وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة ) . . . . الآية ، فبعث الله عليهم هذا الحي من العرب .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا ) فعادوا ، فبعث الله عليهم محمدا صلى الله عليه وسلم ، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قول الله
[ ص: 390 ] تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عسى ربكم أن يرحمكم ) قال بعد هذا ( وإن عدتم ) لما صنعتم لمثل هذا من قتل
يحيى وغيره من الأنبياء ( عدنا ) إليكم بمثل هذا .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : وجعلنا جهنم للكافرين سجنا يسجنون فيها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن مسعدة ، قال : ثنا
جعفر بن سليمان ، عن
أبي عمران (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) قال : سجنا .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) يقول : جعل الله مأواهم فيها .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) قال : محبسا حصورا .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) يقول : سجنا .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله تعالى ( حصيرا ) قال : يحصرون فيها .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) قال : يحصرون فيها .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) سجنا يسجنون فيها حصروا فيها .
حدثنا
علي بن داود ، قال : ثنا
عبد الله بن صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) يقول : سجنا .
وقال آخرون : معناه : وجعلنا جهنم للكافرين فراشا ومهادا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، قال : قال
الحسن : الحصير : فراش ومهاد ، وذهب
الحسن [ ص: 391 ] بقوله هذا إلى أن الحصير في هذا الموضع عني به الحصير الذي يبسط ويفترش ، وذلك أن العرب تسمي البساط الصغير حصيرا ، فوجه
الحسن معنى الكلام إلى أن الله تعالى جعل جهنم للكافرين به بساطا ومهادا ، كما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ) وهو وجه حسن وتأويل صحيح ، وأما الآخرون ، فوجهوه إلى أنه فعيل من الحصر الذي هو الحبس . وقد بينت ذلك بشواهده في سورة البقرة ، وقد تسمي العرب الملك حصيرا
بمعنى أنه محصور : أي محجوب عن الناس ، كما قال لبيد :
ومقامة غلب الرقاب كأنهم جن لدى باب الحصير قيام
يعني بالحصير : الملك ، ويقال للبخيل : حصور وحصر : لمنعه ما لديه من المال عن أهل الحاجة ، وحبسه إياه عن النفقة ، كما قال الأخطل :
وشارب مربح بالكأس نادمني لا بالحصور ولا فيها بسوار
ويروى : بسآر . ومنه الحصر في المنطق لامتناع ذلك عليه ، واحتباسه إذا أراده . ومنه أيضا الحصور عن النساء لتعذر ذلك عليه ، وامتناعه من الجماع ، وكذلك الحصر في الغائط : احتباسه عن الخروج ، وأصل ذلك كله واحد وإن اختلفت ألفاظه . فأما الحصيران : فالجنبان ، كما قال الطرماح :
قليلا تتلى حاجة ثم عوليت على كل مفروش الحصيرين بادن
يعني بالحصيرين : الجنبين .
[ ص: 392 ]
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : معنى ذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) فراشا ومهادا لا يزايله من الحصير الذي بمعنى البساط ، لأن ذلك إذا كان كذلك كان جامعا معنى الحبس والامتهاد ، مع أن الحصير بمعنى البساط في كلام العرب أشهر منه بمعنى الحبس ، وأنها إذا أرادت أن تصف شيئا بمعنى حبس شيئا ، فإنما تقول : هو له حاصر أو محصر ، فأما الحصير فغير موجود في كلامهم ، إلا إذا وصفته بأنه مفعول به ، فيكون في لفظ فعيل ، ومعناه مفعول به ، ألا ترى بيت لبيد : لدى باب الحصير؟ فقال : لدى باب الحصير ، لأنه أراد : لدى باب المحصور ، فصرف مفعولا إلى فعيل . فأما فعيل في الحصر بمعنى وصفه بأنه الحاصر . فذلك ما لا نجده في كلام العرب ، فلذلك قلت : قول
الحسن أولى بالصواب في ذلك ، وقد زعم بعض أهل العربية من أهل
البصرة أن ذلك جائز ، ولا أعلم لما قال وجها يصح إلا بعيدا وهو أن يقال : جاء حصير بمعنى حاصر ، كما قيل : عليم بمعنى عالم ، وشهيد بمعنى شاهد ، ولم يسمع ذلك مستعملا في الحاصر كما سمعنا في عالم وشاهد .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28988_19960_32419_30539nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ( 8 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : لَعَلَّ رَبَّكُمْ يَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بَعْدَ انْتِقَامِهِ مِنْكُمْ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيَسُوءَ مَبْعَثُهُ عَلَيْكُمْ وُجُوهَكُمْ ، وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ
[ ص: 389 ] كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، فَيَسْتَنْقِذُكُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ ، وَيَنْتَشِلُكُمْ مِنَ الذُّلِّ الَّذِي يُحِلُّهُ بِكُمْ ، وَيَرْفَعُكُمْ مِنَ الْخُمُولَةِ الَّتِي تَصِيرُونَ إِلَيْهَا ، فَيُعِزُّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَعَسَى مِنَ اللَّهِ : وَاجِبٌ ، وَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ ، فَكَثُرَ عَدَدُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَرَفَعَ خَسَاسَتَهُمْ ، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْمُلُوكَ وَالْأَنْبِيَاءَ ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : وَإِنْ عُدْتُمْ يَا مَعْشَرَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَعْصِيَتِي وَخِلَافِ أَمْرِي ، وَقَتْلِ رُسُلِي ، عُدْنَا عَلَيْكُمْ بِالْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ ، وَإِحْلَالِ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ بِكُمْ ، فَعَادُوا ، فَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِعِقَابِهِ وَإِحْلَالِ سُخْطِهِ بِهِمْ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا ابْنُ
عَطِيَّةَ ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ) قَالَ : عَادُوا فَعَادَ ، ثُمَّ عَادُوا فَعَادَ ، ثُمَّ عَادُوا فَعَادَ . قَالَ : فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ مُلُوكٍ مِنْ مُلُوكِ
فَارِسَ :
سِنْدِبَادَانَ وَشَهْرَبَادَانَ وَآخَرَ .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، قَالَ : ثَنِي عَمِّي ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ الْأُولَى وَالْآخِرَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ) قَالَ : فَعَادُوا فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ) فَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَتِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ) قَالَ : عَادَ الْقَوْمُ بِشَرِّ مَا يَحْضُرُهُمْ ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا شَاءَ أَنَّ يَبْعَثَ مِنْ نِقْمَتِهِ وَعُقُوبَتِهِ ، ثُمَّ كَانَ خِتَامُ ذَلِكَ أَنْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْعَرَبِ ، فَهُمْ فِي عَذَابِ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ; قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةٍ أُخْرَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=167وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) . . . . الْآيَةَ ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْعَرَبِ .
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ) فَعَادُوا ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَهُمْ يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
حَدَّثَنِي
يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ
[ ص: 390 ] تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ) قَالَ بَعْدَ هَذَا ( وَإِنْ عُدْتُمْ ) لِمَا صَنَعْتُمْ لِمِثْلِ هَذَا مِنْ قَتْلِ
يَحْيَى وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ( عُدْنَا ) إِلَيْكُمْ بِمِثْلِ هَذَا .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَجَعَلَنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ سِجْنًا يُسْجَنُونَ فِيهَا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، قَالَ : ثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ
أَبِي عِمْرَانَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) قَالَ : سِجْنًا .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، قَالَ : ثَنِي عَمِّي ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) يَقُولُ : جَعَلَ اللَّهُ مَأْوَاهُمْ فِيهَا .
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) قَالَ : مَحْبِسًا حَصُورًا .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) يَقُولُ : سِجْنًا .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا
عِيسَى; وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ جَمِيعًا ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( حَصِيرًا ) قَالَ : يُحْصَرُونَ فِيهَا .
حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) قَالَ : يُحْصَرُونَ فِيهَا .
حَدَّثَنِي
يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) سِجْنًا يُسْجَنُونَ فِيهَا حُصِرُوا فِيهَا .
حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ ، قَالَ : ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : ثَنِي
مُعَاوِيَةُ ، عَنْ
عَلِيٍّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) يَقُولُ : سِجْنًا .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : وَجَعَلَنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ فِرَاشًا وَمِهَادًا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، قَالَ : قَالَ
الْحَسَنُ : الْحَصِيرُ : فِرَاشٌ وَمِهَادٌ ، وَذَهَبَ
الْحَسَنُ [ ص: 391 ] بِقَوْلِهِ هَذَا إِلَى أَنَّ الْحَصِيرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عُنِيَ بِهِ الْحَصِيرُ الَّذِي يُبْسَطُ وَيُفْتَرَشُ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْبِسَاطَ الصَّغِيرَ حَصِيرًا ، فَوَجَّهَ
الْحَسَنُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعْلَ جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ بِهِ بِسَاطًا وَمِهَادًا ، كَمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=41لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ) وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ وَتَأْوِيلٌ صَحِيحٌ ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى أَنَّهُ فَعِيلٌ مِنَ الْحَصْرِ الَّذِي هُوَ الْحَبْسُ . وَقَدْ بَيَّنَتْ ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَقَدْ تُسَمِّي الْعَرَبُ الْمُلْكَ حَصِيرًا
بِمَعْنَى أَنَّهُ مَحْصُورٌ : أَيْ مَحْجُوبٌ عَنِ النَّاسِ ، كَمَا قَالَ لَبِيدٌ :
وَمَقَامَةٍ غُلْبِ الرِّقَابِ كَأَنَّهُمْ جِنٌّ لَدَى بَابِ الْحَصِيرِ قِيَامُ
يَعْنِي بِالْحَصِيرِ : الْمَلِكَ ، وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ : حَصُورٌ وَحَصِرٌ : لِمَنْعِهِ مَا لَدَيْهِ مِنَ الْمَالِ عَنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ ، وَحَبْسِهِ إِيَّاهُ عَنِ النَّفَقَةِ ، كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ :
وَشَارِبٍ مُرْبِحٍ بِالْكَأْسِ نَادَمَنِي لَا بِالْحَصُورِ وَلَا فِيهَا بِسَوَّارِ
وَيُرْوَى : بِسَآَّرٍ . وَمِنْهُ الْحَصْرُ فِي الْمَنْطِقِ لِامْتِنَاعٍ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَاحْتِبَاسِهِ إِذَا أَرَادَهُ . وَمِنْهُ أَيْضًا الْحَصُورُ عَنِ النِّسَاءِ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَامْتِنَاعِهِ مِنَ الْجِمَاعِ ، وَكَذَلِكَ الْحَصْرُ فِي الْغَائِطِ : احْتِبَاسُهُ عَنِ الْخُرُوجِ ، وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُ . فَأَمَّا الْحَصِيرَانِ : فَالْجَنْبَانِ ، كَمَا قَالَ الطِّرِمَّاحُ :
قَلِيلًا تَتَلَّى حَاجَةً ثُمَّ عُولِيَتْ عَلى كُلِّ مَفْرُوشِ الْحَصِيرَيْنِ بَادِنِ
يَعْنِي بِالْحَصِيرَيْنِ : الْجَنْبَيْنِ .
[ ص: 392 ]
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=8وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) فِرَاشًا وَمِهَادًا لَا يُزَايِلُهُ مِنَ الْحَصِيرِ الَّذِي بِمَعْنَى الْبِسَاطِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَامِعًا مَعْنَى الْحَبْسِ وَالِامْتِهَادِ ، مَعَ أَنَّ الْحَصِيرَ بِمَعْنَى الْبِسَاطِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَشْهَرُ مِنْهُ بِمَعْنَى الْحَبْسِ ، وَأَنَّهَا إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَصِفَ شَيْئًا بِمَعْنَى حَبَسَ شَيْئًا ، فَإِنَّمَا تَقُولُ : هُوَ لَهُ حَاصَرٌ أَوْ مَحْصُرٌ ، فَأَمَّا الْحَصِيرُ فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِهِمْ ، إِلَّا إِذَا وَصَفْتَهُ بِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ ، فَيَكُونُ فِي لَفْظِ فَعَيِلٍ ، وَمَعْنَاهُ مَفْعُولٍ بِهِ ، أَلَّا تُرَى بَيْتَ لَبِيدٍ : لَدَى بَابِ الْحَصِيرِ؟ فَقَالَ : لَدَى بَابِ الْحَصِيرِ ، لِأَنَّهُ أَرَادَ : لَدَى بَابِ الْمَحْصُورِ ، فَصَرَفَ مَفْعُولًا إِلَى فَعِيلٍ . فَأَمَّا فَعِيلُ فِي الْحَصْرِ بِمَعْنَى وَصْفِهِ بِأَنَّهُ الْحَاصِرُ . فَذَلِكَ مَا لَا نَجِدُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، فَلِذَلِكَ قُلْتُ : قَوْلُ
الْحَسَنِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ
الْبَصْرَةِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ ، وَلَا أَعْلَمَ لِمَا قَالَ وَجْهًا يَصِحُّ إِلَّا بَعِيدًا وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : جَاءَ حَصِيرٌ بِمَعْنَى حَاصَرٍ ، كَمَا قِيلَ : عَلِيمٌ بِمَعْنَى عَالَمٍ ، وَشَهِيدٌ بِمَعْنَى شَاهَدٍ ، وَلَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْحَاصِرِ كَمَا سَمِعْنَا فِي عَالِمٍ وَشَاهِدٍ .