[ ص: 86 ] [ ص: 87 ] تفسير سورة النور
[ ص: 88 ] [ ص: 89 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل
nindex.php?page=treesubj&link=28995قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون ( 1 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سورة أنزلناها ) وهذه السورة أنزلناها . وإنما قلنا معنى ذلك كذلك ; لأن
العرب لا تكاد تبتدئ بالنكرات قبل أخبارها إذا لم تكن جوابا ، لأنها توصل كما يوصل الذي ، ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة ، فيستقبح الابتداء بها قبل الخبر إذا لم تكن موصولة ، إذ كان يصير خبرها إذا ابتدئ بها كالصلة لها ، ويصير السامع خبرها كالمتوقع خبرها ، بعد إذ كان الخبر عنها بعدها ، كالصلة لها ، وإذا ابتدئ بالخبر عنها قبلها لم يدخل الشك على سامع الكلام في مراد المتكلم . وقد بينا فيما مضى قبل ، أن السورة وصف لما ارتفع بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وأما قوله : ( وفرضناها ) فإن القراء اختلفت في قراءته ، فقرأه بعض
قراء الحجاز والبصرة : " وفرضناها " ويتأولونه : وفصلناها ونزلنا فيها فرائض مختلفة . وكذلك كان
مجاهد يقرؤه ويتأوله .
حدثني
أحمد بن يوسف ، قال : ثنا
القاسم ، قال : ثنا
ابن مهدي ، عن
عبد الوارث بن سعيد ، عن
حميد ، عن
مجاهد ، أنه كان يقرؤها : " وفرضناها " يعني بالتشديد .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء جميعا ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله : " وفرضناها " قال : الأمر بالحلال ، والنهي عن الحرام .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله . وقد يحتمل ذلك إذا قرئ بالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن
مجاهد ، [ ص: 90 ] وهو أن يوجه إلى أن معناه : وفرضناها عليكم وعلى من بعدكم من الناس إلى قيام الساعة . وقرأ ذلك عامة
قراء المدينة والكوفة والشأم ( وفرضناها ) بتخفيف الراء ، بمعنى : أوجبنا ما فيها من الأحكام عليكم ، وألزمناكموه وبينا ذلك لكم .
والصواب من القول في ذلك ، أنهما قراءتان مشهورتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وذلك أن الله قد فصلها ، وأنزل فيها ضروبا من الأحكام ، وأمر فيها ونهى ، وفرض على عباده فيها فرائض ، ففيها المعنيان كلاهما : التفريض ، والفرض ، فلذلك قلنا بأية القراءتين قرأ القارئ فمصيب الصواب .
ذكر من تأول ذلك بمعنى الفرض ، والبيان من أهل التأويل .
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله : ( وفرضناها ) يقول : بيناها .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سورة أنزلناها وفرضناها ) قال : فرضناها لهذا الذي يتلوها مما فرض فيها ، وقرأ فيها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1آيات بينات لعلكم تذكرون ) .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1وأنزلنا فيها آيات بينات ) يقول تعالى ذكره : وأنزلنا في هذه السورة علامات ودلالات على الحق بينات ، يعني واضحات لمن تأملها وفكر فيها بعقل أنها من عند الله ، فإنها الحق المبين ، وإنها تهدي إلى الصراط المستقيم .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1وأنزلنا فيها آيات بينات ) قال : الحلال والحرام والحدود ( لعلكم تذكرون ) يقول : لتتذكروا بهذه الآيات البينات التي أنزلناها .
[ ص: 86 ] [ ص: 87 ] تَفْسِيرُ سُورَةِ النُّورِ
[ ص: 88 ] [ ص: 89 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28995قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( 1 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا ) وَهَذِهِ السُّورَةُ أَنْزَلْنَاهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعْنَى ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ
الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تَبْتَدِئُ بِالنَّكِرَاتِ قَبْلَ أَخْبَارِهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ جَوَابًا ، لِأَنَّهَا تُوصَلُ كَمَا يُوصَلُ الَّذِي ، ثُمَّ يُخْبَرُ عَنْهَا بِخَبَرٍ سِوَى الصِّلَةِ ، فَيُسْتَقْبَحُ الِابْتِدَاءُ بِهَا قَبْلَ الْخَبَرِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَوْصُولَةً ، إِذْ كَانَ يَصِيرُ خَبَرُهَا إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا كَالصِّلَةِ لَهَا ، وَيَصِيرُ السَّامِعُ خَبَرَهَا كَالْمُتَوَقِّعِ خَبَرَهَا ، بَعْدَ إِذْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْهَا بَعْدَهَا ، كَالصِّلَةِ لَهَا ، وَإِذَا ابْتُدِئَ بِالْخَبَرِ عَنْهَا قَبْلَهَا لَمْ يَدْخُلِ الشَّكُّ عَلَى سَامِعِ الْكَلَامِ فِي مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ . وَقَدْ بَيَّنَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ ، أَنَّ السُّورَةَ وَصْفٌ لِمَا ارْتَفَعَ بِشَوَاهِدِهِ ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَفَرَضْنَاهَا ) فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ
قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ : " وَفَرَضْنَاهَا " وَيَتَأَوَّلُونَهُ : وَفَصَّلْنَاهَا وَنَزَّلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً . وَكَذَلِكَ كَانَ
مُجَاهِدٌ يَقْرَؤُهُ وَيَتَأَوَّلُهُ .
حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ ، قَالَ : ثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ
عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ
حُمَيْدٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " وَفَرَّضْنَاهَا " يَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا
عِيسَى ، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ جَمِيعًا ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ : " وَفَرَضْنَاهَا " قَالَ : الْأَمْرُ بِالْحَلَالِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْحَرَامِ .
حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ . وَقَدْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَجْهًا غَيْرَ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ
مُجَاهِدٍ ، [ ص: 90 ] وَهُوَ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : وَفَرَضْنَاهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ مِنَ النَّاسِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ
قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالشَّأْمِ ( وَفَرَضْنَاهَا ) بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ ، بِمَعْنَى : أَوْجَبْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ عَلَيْكُمْ ، وَأَلْزَمْنَاكُمُوهُ وَبَيَّنَّا ذَلِكَ لَكُمْ .
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَصَّلَهَا ، وَأَنْزَلَ فِيهَا ضُرُوبًا مِنَ الْأَحْكَامِ ، وَأَمَرَ فِيهَا وَنَهَى ، وَفَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ فِيهَا فَرَائِضَ ، فَفِيهَا الْمَعْنَيَانِ كِلَاهُمَا : التَّفْرِيضُ ، وَالْفَرْضُ ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ .
ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْفَرْضِ ، وَالْبَيَانِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ .
حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو صَالِحٍ ، قَالَ : ثَنِي
مُعَاوِيَةُ ، عَنْ
عَلِيٍّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ : ( وَفَرَضْنَاهَا ) يَقُولُ : بَيَّنَّاهَا .
حَدَّثَنِي
يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ) قَالَ : فَرَضْنَاهَا لِهَذَا الَّذِي يَتْلُوهَا مِمَّا فَرَضَ فِيهَا ، وَقَرَأَ فِيهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَأَنْزَلْنَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَلَامَاتٍ وَدَلَالَاتٍ عَلَى الْحَقِّ بَيِّنَاتٍ ، يَعْنِي وَاضِحَاتٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَفَكَّرَ فِيهَا بِعَقْلٍ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَإِنَّهَا الْحَقُّ الْمُبِينُ ، وَإِنَّهَا تَهْدِي إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ .
حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=1وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) قَالَ : الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَالْحُدُودُ ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) يَقُولُ : لِتَتَذَكَّرُوا بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا .