القول في
nindex.php?page=treesubj&link=29017_29778_26502تأويل قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ( 12 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ومن قبل هذا الكتاب ، كتاب
موسى ، وهو التوراة ، إماما
لبني إسرائيل يأتمون به ، ورحمة لهم أنزلناه عليهم . وخرج الكلام مخرج الخبر عن الكتاب بغير ذكر تمام الخبر اكتفاء بدلالة الكلام على تمامه; وتمامه : ومن قبله كتاب
موسى إماما ورحمة أنزلناه عليه ، وهذا كتاب أنزلناه لسانا عربيا .
اختلف في تأويل ذلك ، وفي المعنى الناصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لسانا عربيا ) أهل العربية ، فقال بعض نحويي
البصرة : نصب اللسان والعربي ، لأنه من صفة الكتاب ، فانتصب على الحال ، أو على فعل مضمر ، كأنه قال : أعني لسانا عربيا . قال : وقال بعضهم على " مصدق" جعل الكتاب مصدق اللسان ، فعلى قول من جعل اللسان نصبا على الحال ، وجعله من صفة الكتاب ، ينبغي أن يكون تأويل
[ ص: 110 ] الكلام ، وهذا كتاب بلسان عربي مصدق التوراة كتاب
موسى ، بأن
محمدا لله رسول ، وأن ما جاء به من عند الله حق .
وأما القول الثاني الذي حكيناه عن بعضهم أنه جعل الناصب للسان " مصدق" ، فقول لا معنى له ، لأن ذلك يصير إذا يؤول كذلك إلى أن الذي يصدق القرآن نفسه ، ولا معنى لأن يقال : وهذا كتاب يصدق نفسه ؛ لأن اللسان العربي هو هذا الكتاب ، إلا أن يجعل اللسان العربي
محمدا عليه الصلاة والسلام ، ويوجه تأويله إلى : وهذا كتاب وهو القرآن يصدق
محمدا ، وهو اللسان العربي ، فيكون ذلك وجها من التأويل .
وقال بعض نحويي
الكوفة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لسانا عربيا ) من نعت الكتاب ، وإنما نصب لأنه أريد به : وهذا كتاب يصدق التوراة والإنجيل لسانا عربيا ، فخرج " لسانا عربيا" من يصدق ؛ لأنه فعل ، كما تقول : مررت برجل يقوم محسنا ، ومررت برجل قائم محسنا ، قال : ولو رفع لسان عربي جاز على النعت للكتاب .
وقد ذكر أن ذلك في قراءة
ابن مسعود " وهذا كتاب مصدق لما بين يديه لسانا عربيا ، فعلى هذه القراءة يتوجه النصب في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لسانا عربيا ) من وجهين : أحدهما على ما بينت من أن يكون اللسان خارجا من قوله ( مصدق ) والآخر : أن يكون قطعا من الهاء التي في بين يديه .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يكون منصوبا على أنه حال مما في " مصدق" من ذكر الكتاب ، لأن قوله : ( مصدق ) فعل ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك : وهذا القرآن يصدق كتاب
موسى بأن
محمدا نبي مرسل لسانا عربيا .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لينذر الذين ظلموا ) يقول : لينذر هذا الكتاب الذي أنزلناه إلى
محمد عليه الصلاة والسلام الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله بعبادتهم غيره .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وبشرى للمحسنين ) يقول : وهو بشرى للذين أطاعوا الله فأحسنوا في إيمانهم وطاعتهم إياه في الدنيا ، فحسن الجزاء من الله لهم في الآخرة على طاعتهم إياه . وفي قوله ( وبشرى ) وجهان من الإعراب : الرفع على العطف
[ ص: 111 ] على الكتاب بمعنى : وهذا كتاب مصدق وبشرى للمحسنين . والنصب على معنى : لينذر الذين ظلموا ويبشر ، فإذا جعل مكان يبشر وبشرى أو وبشارة ، نصبت ، كما تقول أتيتك لأزورك وكرامة لك ، وقضاء لحقك ، بمعنى لأزورك وأكرمك ، وأقضي حقك ، فتنصب الكرامة والقضاء بمعنى مضمر .
واختلفت القراء في قراءة ( لينذر ) فقرأ ذلك عامة
قراء الحجاز " لتنذر" بالتاء بمعنى : لتنذر أنت يا
محمد ، وقرأته عامة
قراء العراق بالياء بمعنى : لينذر الكتاب ، وبأي القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29017_29778_26502تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ( 12 ) )
يَقُولُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - : وَمِنْ قَبْلِ هَذَا الْكِتَابِ ، كِتَابُ
مُوسَى ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ ، إِمَامًا
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يَأْتَمُّونَ بِهِ ، وَرَحْمَةً لَهُمْ أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْهِمْ . وَخَرَجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْكِتَابِ بِغَيْرِ ذِكْرِ تَمَامِ الْخَبَرِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى تَمَامِهِ; وَتَمَامُهُ : وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ
مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ لِسَانًا عَرَبِيًّا .
اخْتَلَفَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ ، وَفِي الْمَعْنَى النَّاصِبِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لِسَانًا عَرَبِيًّا ) أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْبَصْرَةِ : نُصِبَ اللِّسَانُ وَالْعَرَبِيُّ ، لِأَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الْكِتَابِ ، فَانْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ ، أَوْ عَلَى فِعْلٍ مُضْمَرٍ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَعْنِي لِسَانًا عَرَبِيًّا . قَالَ : وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى " مُصَدِّقٌ" جَعَلَ الْكِتَابَ مُصَدِّقَ اللِّسَانِ ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ اللِّسَانَ نَصْبًا عَلَى الْحَالِ ، وَجَعَلَهُ مِنْ صِفَةِ الْكِتَابِ ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُ
[ ص: 110 ] الْكَلَامِ ، وَهَذَا كِتَابٌ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُصَدِّقٍ التَّوْرَاةَ كِتَابَ
مُوسَى ، بِأَنَّ
مُحَمَّدًا لِلَّهِ رَسُولٌ ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقٌّ .
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَعَلَ النَّاصِبَ لِلِسَانِ " مُصَدِّقٌ" ، فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ إِذَا يُؤَوَّلُ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُصَدِّقُ الْقُرْآنَ نَفْسُهُ ، وَلَا مَعْنَى لِأَنْ يُقَالَ : وَهَذَا كِتَابٌ يُصَدِّقُ نَفْسَهُ ؛ لِأَنَّ اللِّسَانَ الْعَرَبِيَّ هُوَ هَذَا الْكِتَابُ ، إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ
مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَيُوَجَّهُ تَأْوِيلُهُ إِلَى : وَهَذَا كِتَابٌ وَهُوَ الْقُرْآنُ يُصَدِّقُ
مُحَمَّدًا ، وَهُوَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ وَجْهًا مِنَ التَّأْوِيلِ .
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْكُوفَةِ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لِسَانًا عَرَبِيًّا ) مِنْ نَعْتِ الْكِتَابِ ، وَإِنَّمَا نُصِبَ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ : وَهَذَا كِتَابٌ يُصَدِّقُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لِسَانًا عَرَبِيًّا ، فَخَرَجَ " لِسَانًا عَرَبِيًّا" مِنْ يُصَدِّقُ ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ ، كَمَا تَقُولُ : مَرَرْتُ بِرَجُلٍ يَقُومُ مُحْسِنًا ، وَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَائِمٍ مُحْسِنًا ، قَالَ : وَلَوْ رُفِعَ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ جَازَ عَلَى النَّعْتِ لِلْكِتَابِ .
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ
ابْنِ مَسْعُودٍ " وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِسَانًا عَرَبِيًّا ، فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَتَوَجَّهُ النَّصْبُ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لِسَانًا عَرَبِيًّا ) مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا عَلَى مَا بَيَّنْتُ مِنْ أَنْ يَكُونَ اللِّسَانُ خَارِجًا مِنْ قَوْلِهِ ( مُصَدِّقٌ ) وَالْآخَرُ : أَنْ يَكُونَ قَطْعًا مِنَ الْهَاءِ الَّتِي فِي بَيْنِ يَدَيْهِ .
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِمَّا فِي " مُصَدِّقٌ" مِنْ ذِكْرِ الْكِتَابِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : ( مُصَدِّقٌ ) فِعْلٌ ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : وَهَذَا الْقُرْآنُ يُصَدِّقُ كِتَابَ
مُوسَى بِأَنَّ
مُحَمَّدًا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) يَقُولُ : لِيُنْذِرَ هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ بِعِبَادَتِهِمْ غَيْرَهُ .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ) يَقُولُ : وَهُوَ بُشْرَى لِلَّذِينَ أَطَاعُوا اللَّهَ فَأَحْسَنُوا فِي إِيمَانِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا ، فَحَسُنَ الْجَزَاءُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ . وَفِي قَوْلِهِ ( وَبُشْرَى ) وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ : الرَّفْعُ عَلَى الْعَطْفِ
[ ص: 111 ] عَلَى الْكِتَابِ بِمَعْنَى : وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ . وَالنَّصْبُ عَلَى مَعْنَى : لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَيُبَشِّرَ ، فَإِذَا جُعِلَ مَكَانَ يُبَشِّرُ وَبُشْرَى أَوْ وَبِشَارَةً ، نَصَبْتَ ، كَمَا تَقُولُ أَتَيْتُكَ لِأَزُورَكَ وَكَرَامَةً لَكَ ، وَقَضَاءً لِحَقِّكَ ، بِمَعْنَى لِأَزُورَكَ وَأُكْرِمَكَ ، وَأَقْضِيَ حَقَّكَ ، فَتُنْصَبُ الْكَرَامَةُ وَالْقَضَاءُ بِمَعْنًى مُضْمَرٍ .
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ( لِيُنْذِرَ ) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ
قُرَّاءِ الْحِجَازِ " لِتُنْذِرَ" بِالتَّاءِ بِمَعْنَى : لِتُنْذِرَ أَنْتَ يَا
مُحَمَّدُ ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ
قُرَّاءِ الْعِرَاقِ بِالْيَاءِ بِمَعْنَى : لِيُنْذِرَ الْكِتَابُ ، وَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ .