[ ص: 45 ] [ ص: 46 ] [ ص: 47 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في
nindex.php?page=treesubj&link=29046_28904تأويل قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين على أن نسوي بنانه ( 4 ) ) .
اختلفت القراء في قراءة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار : ( لا أقسم ) [ لا ] مفصولة من أقسم ، سوى
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج ، فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرآن ذلك ( لأقسم بيوم القيامة ) بمعنى : أقسم بيوم القيامة ، ثم أدخلت عليها لام القسم .
والقراءة التي لا أستجيز غيرها في هذا الموضع " لا " مفصولة ، أقسم مبتدأة على ما عليه قراء الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقد اختلف الذين قرءوا ذلك على الوجه الذي اخترنا قراءته في تأويله ، فقال بعضهم " لا " صلة ، وإنما معنى الكلام : أقسم بيوم القيامة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو هشام الرفاعي ، قال : ثنا
ابن يمان ، قال : ثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
الحسن بن مسلم بن يناق ، عن
سعيد بن جبير (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة ) قال : أقسم بيوم القيامة .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
الحسن بن مسلم ، عن
سعيد بن جبير ( لا أقسم ) قال : أقسم .
وقال آخرون منهم : بل دخلت " لا " توكيدا للكلام .
[ ص: 48 ] ذكر من قال ذلك :
سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=14381أبا هشام الرفاعي يقول : سمعت
أبا بكر بن عياش يقول : قوله : ( لا أقسم ) توكيد للقسم كقوله : لا والله . وقال بعض نحويي
الكوفة : لا ؛ رد لكلام قد مضى من كلام المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار ، ثم ابتدئ القسم ، فقيل : أقسم بيوم القيامة ، وكان يقول : كل يمين قبلها رد لكلام ، فلا بد من تقديم " لا " قبلها ، ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحدا ، واليمين التي تستأنف ، ويقول : ألا ترى أنك تقول مبتدئا : والله إن الرسول لحق; وإذا قلت : لا والله إن الرسول لحق ، فكأنك أكذبت قوما أنكروه .
واختلفوا أيضا في ذلك ، هل هو قسم أم لا ؟ فقال بعضهم : هو قسم أقسم ربنا بيوم القيامة ، وبالنفس اللوامة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة عن
أبي الخير بن تميم ، عن
سعيد بن جبير ، قال : قال لي
ابن عباس : ممن أنت ؟ فقلت : من
أهل العراق ، فقال : أيهم ؟ فقلت : من
بني أسد ، فقال : من حريبهم ، أو ممن أنعم الله عليهم ؟ فقلت : لا بل ممن أنعم الله عليهم ، فقال لي : سل ، فقلت : لا أقسم بيوم القيامة ، فقال : يقسم ربك بما شاء من خلقه .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ) قال : أقسم بهما جميعا .
وقال آخرون : بل أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس اللوامة . وقال : معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) ولست أقسم بالنفس اللوامة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال : قال
الحسن : أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس اللوامة .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : إن الله أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة ، وجعل " لا " ردا لكلام قد كان تقدمه من قوم ، وجوابا لهم .
[ ص: 49 ]
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب; لأن المعروف من كلام الناس في محاوراتهم إذا قال أحدهم : لا والله ، لا فعلت كذا ، أنه يقصد بلا رد الكلام ، وبقوله : والله ، ابتداء يمين ، وكذلك قولهم : لا أقسم بالله لا فعلت كذا; فإذا كان المعروف من معنى ذلك ما وصفنا ، فالواجب أن يكون سائر ما جاء من نظائره جاريا مجراه ، ما لم يخرج شيء من ذلك عن المعروف بما يجب التسليم له . وبعد : فإن الجميع من الحجة مجمعون على أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة ) قسم فكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) إلا أن تأتي حجة تدل على أن أحدهما قسم والآخر خبر . وقد دللنا على أن قراءة من قرأ الحرف الأول لأقسم بوصل اللام بأقسم قراءة غير جائزة بخلافها ما عليه الحجة مجمعة ، فتأويل الكلام إذا : لا ما الأمر كما تقولون أيها الناس من أن الله لا يبعث عباده بعد مماتهم أحياء ، أقسم بيوم القيامة ، وكانت جماعة تقول : قيامة كل نفس موتها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ومسعر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15939زياد بن علاقة ، عن
المغيرة بن شعبة ، قال : يقولون : القيامة القيامة ، وإنما قيامة أحدهم : موته .
قال ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
مسعر وسفيان ، عن
أبي قبيس ، قال : شهدت جنازة فيها
علقمة ، فلما دفن قال : أما هذا فقد قامت قيامته .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( اللوامة ) فقال بعضهم : معناه : ولا أقسم بالنفس التي تلوم على الخير والشر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : ثنا
مؤمل ، قال : ثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
الحسن بن مسلم ، عن
سعيد بن جبير ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) قال : تلوم على الخير والشر .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
إسرائيل ، عن
سماك ، عن
عكرمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) قال : تلوم على الخير والشر .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
أبي الخير بن تميم ، عن
سعيد بن جبير ، قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) قال : هي النفس اللئوم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنها تلوم على ما فات وتندم .
[ ص: 50 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2بالنفس اللوامة ) قال : تندم على ما فات وتلوم عليه .
وقال آخرون : بل اللوامة : الفاجرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) أي : الفاجرة .
وقال آخرون : بل هي المذمومة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2ولا أقسم بالنفس اللوامة ) يقول : المذمومة .
وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه وإن اختلفت بها ألفاظ قائليها ، فمتقاربات المعاني ، وأشبه القول في ذلك بظاهر التنزيل أنها تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات ، والقراء كلهم مجمعون على قراءة هذه بفصل " لا " من أقسم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=30337_29046أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ) يقول تعالى ذكره : أيظن ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرقها ، بلى قادرين على أعظم من ذلك ، أن نسوي بنانه ، وهي أصابع يديه ورجليه ، فنجعلها شيئا واحدا كخف البعير ، أو حافر الحمار ، فكان لا يأخذ ما يأكل إلا بفيه كسائر البهائم ، ولكنه فرق أصابع يديه يأخذ بها ، ويتناول ويقبض إذا شاء ويبسط ، فحسن خلقه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
أبي الخير بن تميم ، عن
سعيد بن جبير ، قال : قال لي
ابن عباس : سل ، فقلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) قال : لو شاء لجعله خفا أو حافرا .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ،
[ ص: 51 ] عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) قال : أنا قادر على أن أجعل كفه مجمرة مثل خف البعير .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
ابن عطية ، عن
إسرائيل ، عن
مغيرة ، عمن حدثه عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4قادرين على أن نسوي بنانه ) قال : نجعله خفا أو حافرا .
قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
النضر ، عن
عكرمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4على أن نسوي بنانه ) قال : على أن نجعله مثل خف البعير ، أو حافر الحمار .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أبي رجاء ، عن
الحسن ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) قال : جعلها يدا ، وجعلها أصابع يقبضهن ويبسطهن ، ولو شاء لجمعهن ، فاتقيت الأرض بفيك ، ولكن سواك خلقا حسنا . قال
أبو رجاء : وسئل
عكرمة فقال : لو شاء لجعلها كخف البعير .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4على أن نسوي بنانه ) رجليه ، قال : كخف البعير فلا يعمل بهما شيئا .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) قادر والله على أن يجعل بنانه كحافر الدابة ، أو كخف البعير ، ولو شاء لجعله كذلك ، فإنما ينقي طعامه بفيه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4على أن نسوي بنانه ) قال : لو شاء جعل بنانه مثل خف البعير ، أو حافر الدابة .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4على أن نسوي بنانه ) قال : البنان : الأصابع ، يقول : نحن قادرون على أن نجعل بنانه مثل خف البعير .
واختلف أهل العربية في وجه نصب ( قادرين ) فقال بعضهم : نصب لأنه واقع موقع نفعل ، فلما رد إلى فاعل نصب ، وقالوا : معنى الكلام : أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى نقدر على أن نسوي بنانه ; ثم صرف نقدر إلى قادرين . وكان بعض نحويي
الكوفة يقول : نصب على الخروج من نجمع ، كأنه قيل في الكلام : أيحسب أن لن نقوى عليه ؟ بل قادرين على أقوى منك . يريد : بلى نقوى مقتدرين على أكثر
[ ص: 52 ] من ذا . وقال : قول الناس بلى نقدر ، فلما صرفت إلى قادرين نصبت خطأ ، لأن الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إلى فاعل . ألا ترى أنك تقول : أتقوم إلينا ، فإن حولتها إلى فاعل قلت : أقائم ، وكان خطأ أن تقول قائما; قال : وقد كانوا يحتجون بقول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
علي قسم لا أشتم الدهر مسلما ولا خارجا من في زور كلام
فقالوا : إنما أراد : لا أشتم ولا يخرج ، فلما صرفها إلى خارج نصبها ، وإنما نصب لأنه أراد : عاهدت ربي لا شاتما أحدا ، ولا خارجا من في زور كلام ; وقوله : لا أشتم ، في موضع نصب . وكان بعض نحويي
البصرة يقول : نصب على نجمع ، أي بل نجمعها قادرين على أن نسوي بنانه ، وهذا القول الثاني أشبه بالصحة على مذهب أهل العربية .
[ ص: 45 ] [ ص: 46 ] [ ص: 47 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29046_28904تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَيَحْسَبُ الَإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ( 4 ) ) .
اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ : ( لَا أُقْسِمُ ) [ لَا ] مَفْصُولَةٌ مَنْ أُقْسِمُ ، سِوَى
الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجِ ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ ذَلِكَ ( لَأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) بِمَعْنَى : أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا لَامُ الْقَسَمِ .
وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ " لَا " مَفْصُولَةً ، أُقْسِمُ مُبْتَدَأَةٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الَّذَينَ قَرَءُوا ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَرْنَا قِرَاءَتَهُ فِي تَأْوِيلِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ " لَا " صِلَةٌ ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ : أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ يَمَانٍ ، قَالَ : ثَنَا
سُفْيَانَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَاقٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) قَالَ : أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
مَهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ( لَا أُقْسِمُ ) قَالَ : أُقْسِمُ .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ دَخَلَتْ " لَا " تَوْكِيدًا لِلْكَلَامِ .
[ ص: 48 ] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=14381أَبَا هِشَامٍ الرِّفَاعِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ
أَبَا بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ يَقُولُ : قَوْلُهُ : ( لَا أُقْسِمُ ) تَوْكِيدٌ لِلْقَسَمِ كَقَوْلِهِ : لَا وَاللَّهِ . وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْكُوفَةِ : لَا ؛ رَدٌّ لِكَلَامٍ قَدْ مَضَى مِنْ كَلَامِ الْمُشْرِكِينَ الَّذَينَ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، ثُمَّ ابْتُدِئَ الْقَسَمُ ، فَقِيلَ : أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَكَانَ يَقُولُ : كُلُّ يَمِينٍ قَبْلَهَا رَدٌّ لِكَلَامٍ ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ " لَا " قَبْلَهَا ، لِيُفَرَّقَ بِذَلِكَ بَيْنَ الْيَمِينِ الَّتِي تَكُونُ جَحْدًا ، وَالْيَمِينِ الَّتِي تُسْتَأْنَفُ ، وَيَقُولُ : أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ مُبْتَدِئًا : وَاللَّهِ إِنَّ الرَّسُولَ لَحَقٌّ; وَإِذَا قُلْتَ : لَا وَاللَّهِ إِنَّ الرَّسُولَ لَحَقٌّ ، فَكَأَنَّكَ أَكْذَبْتَ قَوْمًا أَنْكَرُوهُ .
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي ذَلِكَ ، هَلْ هُوَ قَسَمٌ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ قَسَمٌ أَقْسَمَ رَبُّنَا بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَبِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
جَرِيرٌ ، عَنْ
مُغِيرَةَ عَنْ
أَبِي الْخَيرِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ لِي
ابْنُ عَبَّاسٍ : مِمَّنْ أَنْتَ ؟ فَقُلْتُ : مِنْ
أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَقَالَ : أَيُّهُمْ ؟ فَقُلْتُ : مِنْ
بَنِي أَسَدٍ ، فَقَالَ : مِنْ حَرِيبِهِمْ ، أَوْ مِمَّنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ؟ فَقُلْت : لَا بَلْ مِمَّنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ لِي : سَلْ ، فَقُلْت : لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ : يُقْسِمُ رَبُّكَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قَالَ : أَقْسَمَ بِهِمَا جَمِيعًا .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَقْسَمَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلَمْ يُقْسِمْ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ . وَقَالَ : مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) وَلَسْتُ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَالَ : قَالَ
الْحَسَنُ : أَقْسَمَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلَمْ يُقْسِمْ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ .
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَبِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ، وَجَعَلَ " لَا " رَدًّا لِكَلَامٍ قَدْ كَانَ تَقَدَّمَهُ مِنْ قَوْمٍ ، وَجَوَابًا لَهُمْ .
[ ص: 49 ]
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ; لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ إِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ : لَا وَاللَّهِ ، لَا فَعَلْتُ كَذَا ، أَنَّهُ يَقْصِدُ بِلَا رَدَّ الْكَلَامِ ، وَبِقَوْلِهِ : وَاللَّهِ ، ابْتِدَاءَ يَمِينٍ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ : لَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا فَعَلْتُ كَذَا; فَإِذَا كَانَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ مَا جَاءَ مِنْ نَظَائِرِهِ جَارِيًا مَجْرَاهُ ، مَا لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنِ الْمَعْرُوفِ بِمَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ . وَبَعْدُ : فَإِنَّ الْجَمِيعَ مِنَ الْحُجَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) قَسَمٌ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) إِلَّا أَنْ تَأْتِيَ حُجَّةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا قَسَمٌ وَالْآخَرُ خَبَرٌ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ الْحَرْفَ الْأَوَّلَ لَأُقْسِمُ بِوَصْلِ اللَّامِ بِأُقْسِمُ قِرَاءَةٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ بِخِلَافِهَا مَا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ ، فَتَأْوِيلِ الْكَلَامِ إِذًا : لَا مَا الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَبْعَثُ عِبَادَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ أَحْيَاءً ، أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَكَانَتْ جَمَاعَةٌ تَقُولُ : قِيَامَةُ كُلِّ نَفْسٍ مَوْتُهَا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنْ
سُفْيَانَ وَمِسْعَرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15939زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ ، عَنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، قَالَ : يَقُولُونَ : الْقِيَامَةَ الْقِيَامَةَ ، وَإِنَّمَا قِيَامَةُ أَحَدِهِمْ : مَوْتُهُ .
قَالَ ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنْ
مِسْعَرٍ وَسُفْيَانَ ، عَنْ
أَبِي قُبَيْسٍ ، قَالَ : شَهِدْتُ جِنَازَةً فِيهَا
عَلْقَمَةُ ، فَلَمَّا دُفِنَ قَالَ : أَمَّا هَذَا فَقَدَ قَامَتْ قِيَامَتُهُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : ( اللَّوَّامَةِ ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ : وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ الَّتِي تَلُومُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ : ثَنَا
مُؤَمِّلٌ ، قَالَ : ثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قَالَ : تَلُومُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ .
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ ، عَنْ
سِمَاكٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قَالَ : تَلُومُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
جَرِيرٌ ، عَنْ
مُغِيرَةَ ، عَنْ
أَبِي الْخَيْرِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قُلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قَالَ : هِيَ النَّفْسُ الَّلئُومُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهَا تَلُومُ عَلَى مَا فَاتَ وَتَنْدَمُ .
[ ص: 50 ]
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا
عِيسَى ، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ ، جَمِيعًا عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قَالَ : تَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ وَتَلُومُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ اللَّوَّامَةُ : الْفَاجِرَةُ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) أَيِ : الْفَاجِرَةِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْمَذْمُومَةُ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو صَالِحٍ ، قَالَ : ثَنِي
مُعَاوِيَةُ ، عَنْ
عَلِيٍّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=2وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) يَقُولُ : الْمَذْمُومَةُ .
وَهَذَهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِهَا أَلْفَاظُ قَائِلِيهَا ، فَمُتَقَارِبَاتُ الْمَعَانِي ، وَأَشْبَهُ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ أَنَّهَا تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ ، وَالْقُرَّاءُ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى قِرَاءَةِ هَذَهِ بِفَصْلِ " لَا " مَنْ أُقْسِمُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=30337_29046أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : أَيَظُنُّ ابْنُ آدَمَ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَى جَمْعِ عِظَامِهِ بَعْدَ تَفَرُّقِهَا ، بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ ، أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ، وَهِيَ أَصَابِعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، فَنَجْعَلَهَا شَيْئًا وَاحِدًا كَخُفِّ الْبَعِيرِ ، أَوْ حَافِرِ الْحِمَارِ ، فَكَانَ لَا يَأْخُذُ مَا يَأْكُلُ إِلَّا بِفِيهِ كَسَائِرِ الْبَهَائِمِ ، وَلَكِنَّهُ فَرَّقَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ يَأْخُذُ بِهَا ، وَيَتَنَاوَلُ وَيَقْبِضُ إِذَا شَاءَ وَيَبْسُطُ ، فَحَسُنَ خَلْقُهُ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
جَرِيرٌ ، عَنْ
مُغِيرَةَ ، عَنْ
أَبِي الْخَيْرِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قَالَ لِي
ابْنُ عَبَّاسٍ : سَلْ ، فَقُلْتُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قَالَ : لَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ خُفًّا أَوْ حَافِرًا .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، قَالَ : ثَنِي عَمِّي ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ،
[ ص: 51 ] عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قَالَ : أَنَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ أَجْعَلَ كَفَّهُ مِجْمَرَةً مِثْلَ خُفِّ الْبَعِيرِ .
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ عَطِيَّةَ ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ ، عَنْ
مُغِيرَةَ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قَالَ : نَجْعَلُهُ خُفًّا أَوْ حَافِرًا .
قَالَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنِ
النَّضْرِ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قَالَ : عَلَى أَنْ نَجْعَلَهُ مِثْلَ خُفِّ الْبَعِيرِ ، أَوْ حَافِرِ الْحِمَارِ .
حَدَّثَنِي
يَعْقُوبُ ، قَالَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابْنُ عَلَيَّةَ ، عَنْ
أَبِي رَجَاءٍ ، عَنِ
الْحَسَنِ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قَالَ : جَعَلَهَا يَدًا ، وَجَعَلَهَا أَصَابِعَ يَقْبِضُهُنَّ وَيَبْسُطُهُنَّ ، وَلَوْ شَاءَ لَجَمَعَهُنَّ ، فَاتَّقَيْتَ الْأَرْضَ بِفِيكَ ، وَلَكِنْ سَوَّاكَ خَلْقًا حَسَنًا . قَالَ
أَبُو رَجَاءٍ : وَسُئِلَ
عِكْرِمَةُ فَقَالَ : لَوْ شَاءَ لَجَعَلَهَا كَخُفِّ الْبَعِيرِ .
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا
عِيسَى ، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ ، جَمِيعًا عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) رِجْلَيْهِ ، قَالَ : كَخُفِّ الْبَعِيرِ فَلَا يَعْمَلُ بِهِمَا شَيْئًا .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قَادِرٌ وَاللَّهِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ بَنَانَهُ كَحَافِرِ الدَّابَّةِ ، أَوْ كَخُفِّ الْبَعِيرِ ، وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ كَذَلِكَ ، فَإِنَّمَا يُنَقِّي طَعَامَهُ بِفِيهِ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قَالَ : لَوْ شَاءَ جَعَلَ بَنَانَهُ مِثْلَ خُفِّ الْبَعِيرِ ، أَوْ حَافِرِ الدَّابَّةِ .
حُدِّثْتُ عَنِ
الْحُسَيْنِ ، قَالَ : سَمِعْتُ
أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ : ثَنَا
عُبَيْدٌ ، قَالَ : سَمِعْتُ
الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قَالَ : الْبَنَانُ : الْأَصَابِعُ ، يَقُولُ : نَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ نَجْعَلَ بَنَانَهُ مِثْلَ خُفِّ الْبَعِيرِ .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ ( قَادِرِينَ ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ : نُصِبَ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ مَوْقِعَ نَفْعَلُ ، فَلَمَّا رُدَّ إِلَى فَاعِلٍ نُصِبَ ، وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَامِ : أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ; ثُمَّ صَرَفَ نَقْدِرُ إِلَى قَادِرِينَ . وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْكُوفَةِ يَقُولُ : نُصِبَ عَلَى الْخُرُوجِ مَنْ نَجْمَعُ ، كَأَنَّهُ قِيلَ فِي الْكَلَامِ : أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ نَقْوَى عَلَيْهِ ؟ بَلْ قَادِرِينَ عَلَى أَقْوَى مِنْكَ . يُرِيدُ : بَلَى نَقْوَى مُقْتَدِرِينَ عَلَى أَكْثَرَ
[ ص: 52 ] مِنْ ذَا . وَقَالَ : قَوْلُ النَّاسِ بَلَى نَقْدِرُ ، فَلَمَّا صُرِفَتْ إِلَى قَادِرِينَ نُصِبَتْ خَطَأً ، لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُنْصَبُ بِتَحْوِيلِهِ مَنْ يَفْعَلُ إِلَى فَاعِلٍ . أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ : أَتَقُومُ إِلَيْنَا ، فَإِنْ حَوَّلْتَهَا إِلَى فَاعِلٍ قُلْتَ : أَقَائِمٌ ، وَكَانَ خَطَأً أَنْ تَقُولَ قَائِمًا; قَالَ : وَقَدْ كَانُوا يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقِ :
عَلَيَّ قَسَمٌ لَا أشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِمًا وَلَا خارِجًا مِنْ فِيَّ زُورُ كَلَامِ
فَقَالُوا : إِنَّمَا أَرَادَ : لَا أَشْتُمُ وَلَا يَخْرُجُ ، فَلَمَّا صَرَفَهَا إِلَى خَارِجٍ نَصَبَهَا ، وَإِنَّمَا نَصَبَ لِأَنَّهُ أَرَادَ : عَاهَدْتُ رَبِّي لَا شَاتَمًا أَحَدًا ، وَلَا خَارِجًا مِنْ فِيَّ زُورُ كَلَامٍ ; وَقَوْلُهُ : لَا أَشْتُمُ ، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ . وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْبَصْرَةِ يَقُولُ : نَصَبَ عَلَى نَجْمَعُ ، أَيْ بَلْ نَجْمَعُهَا قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَشْبَهُ بِالصِّحَّةِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعَرَبِيَةِ .