[ ص: 240 ] ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 208 ) فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ( 209 ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ( 210 ) )
يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) قرأ قوله تعالى : ( أهل الحجاز السلم هاهنا بفتح السين وقرأ الباقون بكسرها وفي سورة الأنفال " والكسائي وإن جنحوا للسلم " بالكسر وقرأ أبو بكر والباقون بالفتح وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم بالكسر حمزة وأبو بكر .
نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام النضيري وأصحابه وذلك أنهم كانوا يعظمون السبت ويكرهون لحمان الإبل وألبانها بعدما أسلموا وقالوا : يا رسول الله إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها في صلاتنا بالليل فأنزل الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) أي في الإسلام قال مجاهد في أحكام أهل الإسلام وأعمالهم ) ( كافة ) أي جميعا وقيل : ادخلوا في الإسلام إلى منتهى شرائعه كافين عن المجاوزة إلى غيره وأصل السلم من الاستسلام والانقياد ولذلك قيل للصلح سلم قال حذيفة بن اليمان في هذه الآية : الإسلام ثمانية أسهم فعد الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة ، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال : قد خاب من لا سهم له .
( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) أي آثاره فيما زين لكم من تحريم السبت ولحوم الإبل وغيره ( إنه لكم عدو مبين )
أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو العباس الطحان أخبرنا أبو أحمد محمد بن قريش أخبرنا علي بن عبد العزيز المكي أخبرنا أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام هشيم أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله عمر فقال : إنا نسمع أحاديث من يهود فتعجبنا أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال : " أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي " . [ ص: 241 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه
( فإن زللتم ) أي ضللتم وقيل : ملتم يقال : زلت قدمه تزل زلا وزللا إذا دحضت قال ابن عباس : يعني الشرك قال قتادة : قد علم الله أنه سيزل زالون من الناس فتقدم في ذلك وأوعد فيه ليكون له به الحجة عليهم ( من بعد ما جاءتكم البينات ) أي الدلالات الواضحات ( فاعلموا أن الله عزيز ) في نقمته ) ( حكيم ) في أمره فالعزيز : هو الغالب الذي لا يفوته شيء والحكيم : ذو الإصابة في الأمر .
قوله تعالى ( هل ينظرون ) أي هل ينظر التاركون الدخول في السلم والمتبعون خطوات الشيطان يقال : نظرته وانتظرته بمعنى واحد فإذا كان النظر مقرونا بذكر الله أو بذكر الوجه أو إلى لم يكن إلا بمعنى الرؤية ( إلا أن يأتيهم الله في ظلل ) جمع ظلة ( من الغمام ) السحاب الأبيض الرقيق سمي غماما لأنه يغم أي يستر وقال مجاهد : هو غير السحاب ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم : قال مقاتل : كهيئة الضباب أبيض قال الحسن : في سترة من الغمام فلا ينظر [ إليه ] أهل الأرض ) ( والملائكة ) قرأ أبو جعفر بالخفض عطفا على الغمام تقديره : مع الملائكة تقول العرب : أقبل الأمير في العسكر أي مع العسكر وقرأ الباقون بالرفع على معنى : إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام والأولى في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله تعالى ويعتقد أن الله عز اسمه منزه عن سمات الحدث على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة .
قال الكلبي : هذا من المكتوم الذي لا يفسر وكان مكحول والزهري والأوزاعي ومالك وابن المبارك وسفيان الثوري والليث بن سعد وأحمد وإسحاق يقولون فيها وفي أمثالها : أمروها كما جاءت بلا كيف قال سفيان بن عيينة : كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عليه ليس لأحد أن يفسره إلا الله تعالى ورسوله .
قوله تعالى : ( وقضي الأمر ) أي وجب العذاب وفرغ من الحساب وذلك فصل ) ( الله ) القضاء بالحق بين الخلق يوم القيامة ( وإلى الله ترجع الأمور ) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم .