[ ص: 387 ] وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ( 7 ) أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ( 8 ) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ( 9 ) ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ( 10 )
( وقال الذين كفروا منكرين للبعث متعجبين منه : هل ندلكم على رجل ينبئكم يعنون محمدا - صلى الله عليه وسلم - إذا مزقتم كل ممزق قطعتم كل تقطيع وفرقتم كل تفريق وصرتم ترابا إنكم لفي خلق جديد يقول لكم : إنكم لفي خلق جديد . ( أفترى ) ألف استفهام دخلت على ألف الوصل ولذلك نصبت ( على الله كذبا أم به جنة ) يقولون : أزعم كذبا أم به جنون ؟ .
قال الله تعالى ردا عليهم : ( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) من الحق في الدنيا . ( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ) فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها ، وأنا القادر عليهم ( إن نشأ نخسف بهم الأرض ) قرأ الكسائي : " نخسف بهم " بإدغام الفاء في الباء ( أو نسقط عليهم كسفا من السماء ) قرأ حمزة : " إن يشأ يخسف أو يسقط " ، بالياء فيهن لذكر الله من قبل ، وقرأ الآخرون بالنون فيهن ) ( إن في ذلك ) أي : فيما ترون من السماء والأرض ) ( لآية ) تدل على قدرتنا على البعث ( والكسائي لكل عبد منيب ) تائب راجع إلى الله بقلبه . قوله - عز وجل - : ( ولقد آتينا داود منا فضلا ) يعني النبوة والكتاب ، وقيل : الملك . وقيل : جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما خص به ) ( يا جبال ) أي : وقلنا يا جبال ) ( أوبي ) أي : سبحي ) ( معه ) إذا سبح ، وقيل : هو تفعيل من الإياب وهو الرجوع ، أي : رجعي معه وقال القتيبي : أصله من التأويب في السير ، وهو أن يسير النهار كله وينزل ليلا كأنه قال أوبي النهار كله بالتسبيح معه . وقال وهب : نوحي معه . [ ص: 388 ]
) ( والطير ) عطف على موضع الجبال ، لأن كل منادى في موضع النصب . وقيل : معناه : وسخرنا وأمرنا الطير أن تسبح معه ، وقرأ يعقوب : " والطير " بالرفع ردا على الجبال ، أي : أوبي أنت والطير . وكان داود إذا نادى بالناحية أجابته الجبال بصداها وعكفت الطير عليه من فوقه ، فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك .
وقيل : كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح .
وقيل : كان داود عليه السلام إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطا له . ( وألنا له الحديد ) حتى كان الحديد في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة .
وكان سبب ذلك على ما روي في الأخبار : أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج للناس متنكرا ، فإذا رأى رجلا لا يعرفه تقدم إليه وسأله عن داود ويقول له : ما تقول في داود واليكم هذا أي رجل هو ؟ فيثنون عليه ، ويقولون خيرا ، فقيض الله له ملكا في صورة آدمي ، فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله ، فقال الملك : نعم الرجل هو لولا خصلة فيه ، فراع داود ذلك وقال : ما هي يا عبد الله ؟ قال : إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ، قال فتنبه لذلك وسأل الله أن يسبب له سببا يستغني به عن بيت المال ، فيتقوت منه ويطعم عياله ، فألان الله تعالى له الحديد وعلمه صنعة الدرع ، وإنه أول من اتخذها . ويقال : إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف درهم ، فيأكل ويطعم منها عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين .
ويقال إنه كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم ، فينفق ألفين منها على نفسه وعياله ، ويتصدق بأربعة آلاف على فقراء بني إسرائيل ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده " . كان