( ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ( 92 ) وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ( 93 ) قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ( 94 ) )
قوله عز وجل ( ) بالدلالات الواضحة والمعجزات الباهرة ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون )
( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا ) أي استجيبوا وأطيعوا سميت الطاعة والإجابة سمعا على المجاورة لأنه سبب للطاعة والإجابة ( قالوا سمعنا وعصينا ) أمرك ، وقيل : سمعنا بالأذن وعصينا بالقلوب ، قال أهل المعاني : إنهم لم يقولوا هذا بألسنتهم ولكن لما سمعوه وتلقوه بالعصيان فنسب ذلك إلى القول اتساعا ( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) أي حب العجل ، أي معناه : أدخل في قلوبهم حب العجل وخالطها ، كإشراب اللون لشدة الملازمة يقال : فلان مشرب اللون إذا اختلط بياضه بالحمرة ، وفي القصص : أن موسى أمر أن يبرد العجل بالمبرد ثم يذره في النهر وأمرهم ( بالشرب ) منه فمن بقي في قلبه شيء من حب العجل ظهرت سحالة الذهب على شاربه .
قوله عز وجل ( قل بئسما يأمركم به إيمانكم ) أن تعبدوا العجل من دون الله أي بئس إيمان يأمركم بعبادة العجل ( إن كنتم مؤمنين ) بزعمكم ، وذلك أنهم قالوا : ( نؤمن بما أنزل علينا ) فكذبهم الله عز وجل .
[ قوله تعالى ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله ) وذلك اليهود ادعوا دعاوى باطلة مثل قولهم أن لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ( 80 - البقرة ) " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو [ ص: 123 ] نصارى " ( 111 - البقرة ) وقولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه " ( 18 - المائدة ) فكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فقال : قل لهم يا محمد ( إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله ) يعني الجنة عند الله ( خالصة ) أي خاصة ( من دون الناس فتمنوا الموت ) أي فأريدوه واسألوه ؛ لأن من علم أن الجنة مأواه حن إليها ولا سبيل إلى دخولها إلا بعد الموت فاستعجلوه بالتمني ( إن كنتم صادقين ) في قولكم ، وقيل : فتمنوا الموت أي ادعوا بالموت على الفرقة الكاذبة . وروي عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو تمنوا الموت لغص كل إنسان منهم بريقه وما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات " .