( وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون     ( 51 ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين    ( 52 ) ) 
قوله عز وجل : ( وأنذر به    ) خوف به أي : بالقرآن ، ( الذين يخافون أن يحشروا    ) يجمعوا ويبعثوا إلى ربهم ، وقيل : يخافون أي يعلمون ، لأن خوفهم إنما كان من علمهم ، ( ليس لهم من دونه    ) من دون الله ، ( ولي ) قريب ينفعهم ، ( ولا شفيع    ) يشفع لهم ، ( لعلهم يتقون    ) فينتهون عما نهوا عنه ، وإنما نفى الشفاعة لغيره - مع أن الأنبياء والأولياء يشفعون - لأنهم لا يشفعون إلا بإذنه . 
( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي    ) قرأ ابن عامر    " بالغدوة " بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها ، هاهنا وفي سورة الكهف ، وقرأ الآخرون : بفتح العين والدال وألف بعدها .   [ ص: 146 ] 
قال سلمان   وخباب بن الأرت    : فينا نزلت هذه الآية ، جاء الأقرع بن حابس التميمي  وعيينة بن حصن الفزاري  وذووهم من المؤلفة قلوبهم ، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال  وصهيب  وعمار  وخباب  في ناس من ضعفاء المؤمنين ، فلما رأوهم حوله حقروهم ، فأتوه فقالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - وكان عليهم جباب صوف لم يكن عليهم غيرها - لجالسناك وأخذنا عنك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم : " ما أنا بطارد المؤمنين " قالوا فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا فرغنا فاقعد معهم إن شئت ، قال : نعم ، قالوا : اكتب لنا عليك بذلك كتابا ، قال : فدعا بالصحيفة ودعا عليا ليكتب ، قالوا ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل  بقوله : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه    ) إلى قوله : ( بالشاكرين    ) فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ، ثم دعانا فأثبته ، وهو يقول : ( سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) ، فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عز وجل : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه    ) ( الكهف ، 28 ) ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد وندنو منه حتى كادت ركبنا تمس ركبته ، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ، وقال لنا : " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات "   . 
وقال الكلبي    : قالوا له اجعل لنا يوما ولهم يوما ، فقال : لا أفعل ، قالوا : فاجعل المجلس واحدا فأقبل إلينا وول ظهرك عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي    ) 
قال مجاهد    : قالت قريش    : لولا بلال  وابن أم عبد  لبايعنا محمدا  ، فأنزل الله هذه الآية : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي    ) قال ابن عباس    : يعني يعبدون ربهم بالغداة والعشي ، يعني : صلاة الصبح وصلاة العصر ، ويروى عنه : أن المراد منه الصلوات الخمس ، وذلك أن أناسا من الفقراء كانوا مع النبي عليه السلام ، فقال ناس من الأشراف : إذا صلينا فأخر هؤلاء فليصلوا خلفنا ، فنزلت الآية . وقال مجاهد    : صليت الصبح مع  سعيد بن المسيب ،  فلما سلم الإمام ابتدر   [ ص: 147 ] الناس القاص ، فقال سعيد    : ما أسرع الناس إلى هذا المجلس! قال مجاهد    : فقلت يتأولون قوله تعالى ( يدعون ربهم بالغداة والعشي    ) قال : أفي هذا هو ، إنما ذلك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن ، وقال  إبراهيم النخعي    : يعني يذكرون ربهم ، وقيل المراد منه : حقيقة الدعاء ، ( يريدون وجهه    ) أي : يريدون الله بطاعتهم ، قال ابن عباس  رضي الله عنهما : يطلبون ثواب الله فقال : ( ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء    ) أي : لا تكلف أمرهم ولا يتكلفون أمرك ، وقيل : ليس رزقهم عليك فتملهم ، ( فتطردهم ) ولا رزقك عليهم ، قوله ( فتطردهم ) جواب لقوله ( ما عليك من حسابهم من شيء    ) وقوله : ( فتكون من الظالمين    ) جواب لقوله ( ولا تطرد    ) أحدهما جواب النفي والآخر جواب النهي . 
				
						
						
