[ ص: 19 ]   ( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون    ( 16 ) ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون    ( 17 ) . 
قوله تعالى : ( أم حسبتم    ) أظننتم ( أن تتركوا    ) قيل : هذا خطاب للمنافقين . وقيل : للمؤمنين الذين شق عليهم القتال . فقال : أم حسبتم أن تتركوا فلا تؤمروا بالجهاد ، ولا تمتحنوا ، ليظهر الصادق من الكاذب ، ( ولما يعلم الله    ) ولم ير الله ( الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة    ) بطانة وأولياء يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم . وقال قتادة    : وليجة خيانة . وقال الضحاك    : خديعة . وقال عطاء    : أولياء . وقال أبو عبيدة    : كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة ، والرجل يكون في القوم وليس منهم وليجة . فوليجة الرجل : من يختص بدخيلة أمره دون الناس ، يقال : هو وليجتي ، وهم وليجتي للواحد والجمع . ( والله خبير بما تعملون    ) . 
قوله تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله    )  الآية . 
قال ابن عباس  رضي الله عنهما : لما أسر العباس  يوم بدر  عيره المسلمون بالكفر وقطيعة الرحم ، وأغلظ علي  رضي الله عنه له القول . فقال العباس    : ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا؟ 
فقال له علي  رضي الله عنه : ألكم محاسن؟ فقال نعم : إنا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ، فأنزل الله عز وجل ردا على العباس    : " ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله " أي : ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله . 
أوجب على المسلمين منعهم من ذلك ؛ لأن المساجد إنما تعمر لعبادة الله وحده ، فمن كان كافرا بالله فليس من شأنه أن يعمرها . فذهب جماعة إلى أن المراد منه : العمارة المعروفة من بناء المساجد ومرممته عند الخراب فيمنع منه الكافر حتى لو أوصى به لا تمتثل . وحمل بعضهم   [ ص: 20 ] العمارة ها هنا على دخول المسجد والقعود فيه . قال الحسن    : ما كان للمشركين أن يتركوا فيكونوا أهل المسجد الحرام . 
قرأ ابن كثير  وأهل البصرة    : " مسجد الله " على التوحيد ، وأراد به المسجد الحرام ، لقوله تعالى : " وعمارة المسجد الحرام    " ، ولقوله تعالى " فلا يقربوا المسجد الحرام    " ، وقرأ الآخرون : ( مساجد الله    ) بالجمع والمراد منه أيضا المسجد الحرام . قال الحسن    : إنما قال مساجد لأنه قبلة المساجد كلها . قال الفراء    : ربما ذهبت العرب بالواحد إلى الجمع وبالجمع إلى الواحد ، ألا ترى أن الرجل يركب البرذون فيقول : أخذت في ركوب البراذين ؟ ويقال : فلان كثير الدرهم والدينار ، يريد الدراهم والدنانير؟ 
قوله تعالى : ( شاهدين على أنفسهم بالكفر    ) أراد : وهم شاهدون ، فلما طرحت " وهم " نصبت ، قال الحسن    : لم يقولوا نحن كفار ، ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر . 
وقال الضحاك  عن ابن عباس    : شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للأصنام ، وذلك أن كفار قريش  كانوا نصبوا أصنامهم خارج البيت الحرام عند القواعد ، وكانوا يطوفون بالبيت عراة ، كلما طافوا شوطا سجدوا لأصنامهم ، ولم يزدادوا بذلك من الله تعالى إلا بعدا . 
وقال  السدي    : شهادتهم على أنفسهم بالكفر هو أن النصراني يسأل من أنت؟ فيقول : أنا نصراني ، واليهودي يقول : أنا يهودي ، ويقال للمشرك : ما دينك؟ فيقول : مشرك . قال الله تعالى : ( أولئك حبطت أعمالهم    ) لأنها لغير الله عز وجل ، ( وفي النار هم خالدون    ) . 
وقال الكلبي  عن أبي صالح  عن ابن عباس    : معناه شاهدين على رسولهم بالكفر ؛ لأنه ما من بطن إلا ولدته . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					