( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون    ( 30 ) . 
قوله تعالى : ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله    )  روى سعيد بن جبير  وعكرمة  عن ابن عباس  قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود : سلام بن مشكم  ، والنعمان بن أوفى  ، وشاس بن قيس  ، ومالك بن الصيف  ، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله؟ فأنزل الله عز وجل : ( وقالت اليهود عزير ابن الله    )   . 
قرأ عاصم   والكسائي  ويعقوب    " عزير    " بالتنوين والآخرون بغير تنوين ؛ لأنه اسم أعجمي ويشبه اسما مصغرا ، ومن نون قال : لأنه اسم خفيف ، فوجهه أن يصرف ، وإن كان أعجميا مثل نوح  وهود  ولوط    . واختار أبو عبيدة  التنوين وقال : لأن هذا ليس بمنسوب إلى أبيه ، إنما هو كقولك زيد ابن الأمير وزيد ابن أختنا ، فعزير مبتدأ وما بعده خبر له . 
وقال  عبيد بن عمير    : إنما قال هذه المقالة رجل واحد من اليهود  اسمه فنحاص بن عازوراء    .   [ ص: 37 ] وهو الذي قال : " إن الله فقير ونحن أغنياء    " " آل عمران - 181 " . 
وروى عطية العوفي  عن ابن عباس  رضي الله عنهما قال : إنما قالت اليهود  عزير  ابن الله من أجل أن عزيرا  كان فيهم وكانت التوراة عندهم والتابوت فيهم ، فأضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق ، فرفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم ، فدعا الله عزير  وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نسخ من صدورهم ، فبينما هو يصلي مبتهلا إلى الله تعالى نزل نور من السماء فدخل جوفه فعادت إليه التوراة فأذن في قومه ، وقال : يا قوم قد آتاني الله التوراة ردها إلي! فعلق به الناس يعلمهم ، فمكثوا ما شاء الله تعالى ، ثم إن التابوت نزل بعد ذهابه منهم ، فلما رأوا التابوت عرضوا ما كان فيه على الذي كان يعلمهم عزير  فوجدوه مثله ، فقالوا : ما أوتي عزير  هذا إلا أنه ابن الله   . 
وقال الكلبي    : إن بختنصر  لما ظهر على بني إسرائيل  وقتل منهم من قرأ التوراة ، وكان عزير  إذ ذاك صغيرا فاستصغره فلم يقتله ، فلما رجع بنو إسرائيل  إلى بيت المقدس  وليس فيهم من يقرأ التوراة بعث الله عزيرا  ليجدد لهم التوراة وتكون لهم آية بعد مائة سنة ، يقال : أتاه ملك بإناء فيه ماء فسقاه فمثلت التوراة في صدره ، فلما أتاهم قال أنا عزير  فكذبوه وقالوا : إن كنت كما تزعم فأمل علينا التوراة ، فكتبها لهم ، ثم إن رجلا قال : إن أبي حدثني عن جدي أن التوراة جعلت في خابية ودفنت في كرم ، فانطلقوا معه حتى أخرجوها ، فعارضوها بما كتب لهم عزير  فلم يجدوه غادر منها حرفا ، فقالوا : إن الله لم يقذف التوراة في قلب رجل إلا لأنه ابنه ، فعند ذلك قالت اليهود    : عزير  ابن الله . 
وأما النصارى  فقالوا : المسيح  ابن الله ، وكان السبب فيه أنهم كانوا على دين الإسلام إحدى وثمانين سنة بعدما رفع عيسى  عليه السلام يصلون إلى القبلة ، ويصومون رمضان ، حتى وقع فيما بينهم وبين اليهود  حرب ، وكان في اليهود  رجل شجاع يقال له " بولص    " قتل جملة من أصحاب عيسى  عليه السلام ، ثم قال لليهود    : إن كان الحق مع عيسى  فقد كفرنا به والنار مصيرنا ، فنحن مغبونون إن دخلوا الجنة ودخلنا النار ، فإني أحتال وأضلهم حتى يدخلوا النار ، وكان له فرس يقال له العقاب يقاتل عليه فعرقب فرسه وأظهر الندامة ، ووضع على رأسه التراب ، فقال له النصارى    : من أنت؟ قال : بولص  عدوكم ، فنوديت من السماء : ليست لك توبة إلا أن تتنصر ، وقد تبت . فأدخلوه الكنيسة ، ودخل بيتا   [ ص: 38 ] سنة لا يخرج منه ليلا ولا نهارا حتى تعلم الإنجيل ، ثم خرج وقال : نوديت أن الله قبل توبتك ، فصدقوه وأحبوه ، ثم مضى إلى بيت المقدس  ، واستخلف عليهم نسطورا  وعلمه أن عيسى  ومريم  والإله كانوا ثلاثة ، ثم توجه إلى الروم  وعلمهم اللاهوت والناسوت ، وقال : لم يكن عيسى  بإنس ولا بجسم ، ولكنه ابن الله ، وعلم ذلك رجلا يقال له " يعقوب    " ثم دعا رجلا يقال له ملكا ، فقال : إن الإله لم يزل ولا يزال عيسى  ، فلما استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحدا واحدا ، وقال لكل واحد منهم : أنت خالصتي ، وقد رأيت عيسى  في المنام فرضي عني . وقال لكل واحد منهم : إني غدا أذبح نفسي ، فادع الناس إلى نحلتك . ثم دخل المذبح فذبح نفسه وقال : إنما أفعل ذلك لمرضاة عيسى  ، فلما كان يوم ثالثه دعا كل واحد منهم الناس إلى نحلته ، فتبع كل واحد طائفة من الناس ، فاختلفوا واقتتلوا فقال الله عز وجل : ( وقالت النصارى المسيح ابن الله    ) ، ( ذلك قولهم بأفواههم    ) يقولون بألسنتهم من غير علم . قال أهل المعاني : لم يذكر الله تعالى قولا مقرونا بالأفواه والألسن إلا كان ذلك زورا . 
( يضاهئون ) قرأ عاصم  بكسر الهاء مهموزا ، والآخرون بضم الهاء غير مهموز ، وهما لغتان يقال : ضاهيته وضاهأته ، ومعناهما واحد . قال ابن عباس  رضي الله عنه : يشابهون . والمضاهاة المشابهة . وقال مجاهد    : يواطئون وقال الحسن    : يوافقون ، ( قول الذين كفروا من قبل    ) قال قتادة   والسدي    : ضاهت النصارى  قول اليهود  من قبل ، فقالوا : المسيح ابن الله ، كما قالت اليهود    : عزير  ابن الله . وقال مجاهد    : يضاهئون قول المشركين من قبل الذين كانوا يقولون اللات والعزى ومناة بنات الله . وقال الحسن    : شبه كفرهم بكفر الذين مضوا من الأمم الكافرة كما قال في مشركي العرب : " كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم    " ( البقرة - 188 ) . وقال القتيبي    : يريد أن من كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود  والنصارى  يقولون ما قال أولهم ، ( قاتلهم الله    ) قال ابن عباس    : لعنهم الله . وقال  ابن جريج    : أي : قتلهم الله . وقيل : ليس هو على تحقيق المقاتلة ولكنه بمعنى التعجب ، ( أنى يؤفكون    ) أي : يصرفون عن الحق بعد قيام الأدلة عليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					