الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
4798 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد عن nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت وشعيب بن الحبحاب عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك nindex.php?page=hadith&LINKID=654696أن رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=treesubj&link=31078_33326أعتق صفية وجعل عتقها صداقها
قوله ( باب من جعل عتق الأمة صداقها ) كذا أورده غير جازم بالحكم ، وقد أخذ بظاهره من القدماء nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب وإبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق ، قالوا إذا nindex.php?page=treesubj&link=33326أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث . وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث بأجوبة أقربها أي لفظ الحديث أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجبت له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها . ويؤيده قوله في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16377عبد العزيز بن صهيب سمعت أنسا nindex.php?page=hadith&LINKID=3503306قال : nindex.php?page=treesubj&link=31078سبى النبي صلى الله عليه وسلم صفية فأعتقها وتزوجها . فقال ثابت لأنس : ما أصدقها قال نفسها ، فأعتقها هكذا أخرجه المصنف في المغازي . وفي رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس في حديث " قال وصارت صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها ، فقال عبد العزيز لثابت : يا أبا محمد ، أنت سألت أنسا ما أمهرها ؟ قال : أمهرها نفسها . فتبسم . فهو ظاهر جدا في أن المجهول مهرا هو نفس العتق ، فالتأويل الأول لا بأس به ، فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى لو كانت القيمة مجهولة ، فإن في صحة العقد بالشرط المذكور وجها عند الشافعية .
وقال آخرون : بل جعل نفس العتق المهر ، ولكنه من خصائصه وممن جزم بذلك nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي . وقال آخرون : قوله " أعتقها وتزوجها " معناه أعتقها ثم تزوجها ، فلما لم يعلم أنه ساق لها صداقا قال أصدقها نفسها ، أي لم يصدقها شيئا فيما أعلم ، ولم ينف أصل الصداق ، ومن ثم قال أبو الطيب الطبري من الشافعية nindex.php?page=showalam&ids=12887وابن المرابط من المالكية ومن تبعهما : أنه قول أنس ، قاله ظنا من قبل نفسه ولم يرفعه . وربما تأيد ذلك عندهم بما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث أميمة - ويقال أمة الله - بنت رزينة عن أمها nindex.php?page=hadith&LINKID=3503307أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة ، وكان أتى بها مسبية من قريظة والنضير وهذا لا يقوم به حجة لضعف إسناده ، ويعارضه ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت nindex.php?page=hadith&LINKID=3503308أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي وهذا موافق لحديث أنس ، وفيه رد على من قال إن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه . وقد خالف هذا الحديث أيضا ما عليه كافة أهل السير أن صفية من سبي خيبر . ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك ، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره .
وقيل يحتمل أنه أعتقها بغير عوض وتزوجها بغير مهر في الحال ولا في المآل ، قال ابن الصلاح : معناه أن العتق يحل محل الصداق وإن لم يكن صداقا ، قال : وهذا كقولهم " الجوع زاد من لا زاد له " قال وهذا الوجه أصح الأوجه وأقربها إلى لفظ الحديث ، وتبعه النووي في " الروضة " . ومن المستغربات قول الترمذي بعد أن أخرج الحديث : وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد وإسحاق ، قال : وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق ، والقول الأول أصح . وكذا نقل nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . والمعروف عند الشافعية أن ذلك لا يصح ، لكن لعل مراد [ ص: 33 ] من نقله عنه صورة الاحتمال الأول ، ولا سيما نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أن من أعتق أمته على أن يتزوجها فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تتزوج به ، لكن يلزمها له قيمتها ، لأنه لم يرض بعتقها مجانا فصار كسائر الشروط الفاسدة ، فإن رضيت وتزوجته على مهر يتفقان عليه كان لها ذلك المسمى وعليها له قيمتها . فإن اتحدا تقاصا . وممن قال بقول أحمد من الشافعية nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان صرح بذلك في صحيحه ، قال ابن دقيق العيد : الظاهر مع أحمد ومن وافقه ، والقياس مع الآخرين ; فيتردد الحال بين ظن نشأ عن قياس وبين ظن نشأ عن ظاهر الخبر مع ما تحتمله الواقعة من الخصوصية ، وهي وإن كانت على خلاف الأصل لكن يتقوى ذلك بكثرة خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح ، وخصوصا nindex.php?page=treesubj&link=11473خصوصيته بتزويج الواهبة من قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي الآية . وممن جزم بأن ذلك كان من الخصائص nindex.php?page=showalam&ids=17299يحيى بن أكثم فيما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي قال : وكذا نقله المزني عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . قال : وموضع الخصوصية أنه أعتقها مطلقا وتزوجها بغير مهر ولا ولي ولا شهود ، وهذا بخلاف غيره . وقد أخرج عبد الرزاق جواز ذلك عن علي وجماعة من التابعين . ومن طريق nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال : كانوا يكرهون أن يعتق أمته ثم يتزوجها ، ولا يرون بأسا أن يجعل عتقها صداقها . وقال القرطبي : منع من ذلك مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة لاستحالته ، وتقرر استحالته بوجهين :
أحدهما : أن عقدها على نفسها إما أن يقع قبل عتقها وهو محال لتناقض الحكمين الحرية والرق ، فإن الحرية حكمها الاستقلال والرق ضده ، وأما بعد العتق فلزوال حكم الجبر عنها بالعتق ، فيجوز أن لا ترضى وحينئذ لا تنكح إلا برضاها .
الوجه الثاني : أنا إذا جعلنا العتق صداقا فإما أن يتقرر العتق حالة الرق وهو محال لتناقضهما ، أو حالة الحرية فيلزم أسبقيته على العقد ، فيلزم وجود العتق حالة فرض عدمه وهو محال ، لأن الصداق لا بد أن يتقدم تقرره على الزوج إما نصا وإما حكما حتى تملك الزوجة طلبه . فإن اعتلوا بنكاح التفويض فقد تحرزنا عنه بقولنا حكما ، فإنها وإن لم يتعين لها حالة العقد شيء لكنها تملك المطالبة فثبت أنه يثبت لها حالة العقد شيء تطالب به الزوج ، ولا يتأتى مثل ذلك في العتق فاستحال أن يكون صداقا . وتعقب ما ادعاه من الاستحالة بجواز nindex.php?page=treesubj&link=25802تعليق الصداق على شرط إذا وجد استحقته المرأة كأن يقول تزوجتك على ما سيستحق لي عند فلان وهو كذا ، فإذا حل المال الذي وقع العقد عليه استحقته . وقد أخرج nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي من طريق نافع عن ابن عمر في قصة nindex.php?page=showalam&ids=149جويرية بنت الحارث nindex.php?page=hadith&LINKID=3503309أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عتقها صداقها وهو مما يتأيد به حديث أنس ، لكن أخرج أبو داود من طريق عروة عن عائشة في قصة جويرية nindex.php?page=hadith&LINKID=3503310أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما جاءت تستعين به في كتابتها : هل لك أن أقضي عنك كتابتك وأتزوجك ؟ قالت : قد فعلت .
وقد استشكله nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم بأنه يلزم منه إن كان أدى عنها كتابتها أن يصير ولاؤها لمكاتبها . وأجيب بأنه ليس في الحديث التصريح بذلك ، لأن معنى قولها " قد فعلت " رضيت ، فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم عوض nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس عنها فصارت له فأعتقها وتزوجها كما صنع في قصة صفية ، أو يكون ثابت لما بلغته رغبة النبي صلى الله عليه وسلم وهبها له ، وفي الحديث : للسيد nindex.php?page=treesubj&link=11044_24381تزويج أمته إذا أعتقها من نفسه ولا يحتاج إلى ولي ولا حاكم . وفيه اختلاف يأتي في " باب إذا كان الولي هو الخاطب " بعد نيف وعشرين بابا . قال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : فإن قيل ثواب العتق عظيم ، فكيف فوته حيث جعله مهرا ؟ وكان يمكن جعل المهر غيره ، فالجواب أن صفية بنت ملك ، ومثلها لا يقنع إلا بالمهر الكثير ، ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ما يرضيها به ، ولم ير أن يقتصر ، فجعل صداقها نفسها ، وذلك عندها أشرف من المال الكثير .