الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          662 حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا وكيع حدثنا عباد بن منصور حدثنا القاسم بن محمد قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات و يمحق الله الربا ويربي الصدقات قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد هاهنا القوة وقال إسحق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( كما يربي أحدكم مهره ) بضم الميم وسكون الهاء قال في القاموس : المهر بالضم ولد الفرس أو أول ما ينتج منه ومن غيره . جمعه أمهار ومهار ومهارة والأنثى مهرة ( وتصديق ذلك في كتاب الله -عز وجل- : وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ) قال العراقي : في هذا تخليط من بعض الرواة والصواب : ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة الآية وقد رويناه في كتاب الزكاة ليوسف القاضي على الصواب ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث صحيح ) وقد صرح بصحته المنذري في الترغيب ( وقد روي عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بنحو هذا ) تقدم لفظه وتخريجه .

                                                                                                          [ ص: 267 ] قوله : ( أمروها بلا كيف ) بصيغة الأمر من الإمرار أي أجروها على ظاهرها ولا تعرضوا لها بتأويل ولا تحريف بل فوضوا الكيف إلى الله سبحانه وتعالى ( وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة ) وهو الحق والصواب . وقد صنف الحافظ الذهبي في هذا الباب كتابا سماه كتاب العلو للعلي الغفار في إيضاح صحيح الأخبار وسقيمها ، وهو كتاب مفيد نفيس نافع جدا ، ذكر في أوله عدة آيات من آيات الاستواء والعلو ثم قال : فإن أحببت يا عبد الله الإنصاف فقف مع نصوص القرآن والسنة ثم انظر ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذه الآيات وما حكوه من مذاهب السلف ، إلى أن قال : فإننا على اعتقاد صحيح وعقد متين من أن الله تعالى تقدس اسمه لا مثل له وأن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة ؛ إذ الصفات تابعة للموصوف ، فنعقل وجود الباري ونميز ذاته المقدسة عن الأشباه من غير أن نعقل الماهية ، فكذلك القول في صفاته نؤمن بها ونتعقل وجودها ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها أو نكيفها أو نمثلها بصفات خلقه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

                                                                                                          فالاستواء -كما قال مالك الإمام وجماعة- معلوم والكيف مجهول ، ثم ذكر الذهبي الأحاديث الواردة في العلو ، واستوعبها مع بيان صحتها وسقمها ، ثم ذكر بعد سرد الأحاديث أقوال كثير من الأئمة ، وحاصل الأقوال كلها هو ما قال : إن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة إلخ ، ونقل عن الوليد بن مسلم قال : سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا لي : أمروها كما جاءت بلا تفسير . وإن شئت تفاصيل تلك الأقوال فارجع إلى كتاب العلو .

                                                                                                          قوله : ( وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات إلخ ) قال الحافظ في مقدمة الفتح : الجهمية من ينفي صفات الله تعالى التي أثبتها الكتاب والسنة ويقول : القرآن مخلوق ( وقالوا : هذا تشبيه ) وذهبوا إلى وجوب تأويلها ( فتأولت الجهمية هذه الآيات وفسروها على غير ما فسر أهل العلم ) فتفسيرهم هذه الآيات ليس إلا تحريفا لها ، فالحذر الحذر عن تأويلهم وتفسيرهم ( وقالوا : إن الله [ ص: 268 ] لم يخلق آدم بيده ، وقالوا : إنما معنى اليد القوة ) فغرضهم من هذا التأويل هو نفي اليد لله تعالى ظنا منهم أنه لو كان له تعالى يد لكان تشبيها ، ولم يفهموا أن مجرد ثبوت اليد له تعالى ليس بتشبيه ( وقال إسحاق بن إبراهيم ) هو إسحاق ابن راهويه ( إنما يكون التشبيه إذا قال : يد كيد إلخ ) هذا جواب عن قول الجهمية .




                                                                                                          الخدمات العلمية