الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          832 حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق قال أبو عيسى هذا حديث حسن ومحمد بن علي هو أبو جعفر محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( وقت لأهل المشرق العقيق ) وهو موضع بحذاء ذات العرق مما وراءه ، وقيل داخل في حد ذات العرق وأصله كل مسيل شقه السيل فوسعه من العق وهو القطع والشق . والمراد بأهل المشرق من منزله خارج الحرم من شرقي مكة إلى أقصى ، بلاد الشرق وهم العراقيون والمعنى حد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعين لإحرام أهل المشرق العقيق .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) قاله المنذري بعد ذكر كلام الترمذي : هذا وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف . وذكر البيهقي أنه تفرد به ، انتهى .

                                                                                                          فإن قلت : روى أبو داود والنسائي عن عائشة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل العراق ذات عرق . وروى مسلم في صحيحه عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل ، فقال : سمعت " أحسبه رفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- " فقال : مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، والطريق الأخرى الجحفة ، ومهل أهل العراق من ذات عرق ، الحديث . فيثبت من هذين الحديثين أن ميقات أهل العراق ذات عرق . ويثبت من حديث الترمذي أنه العقيق فكيف التوفيق؟

                                                                                                          قلت : قال الحافظ في الفتح : حديث الترمذي قد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف ، وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة ، منها : إن ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب ؛ لأنه من ذات عرق . ومنها : أن العقيق ميقات بعض العراقيين وهم أهل المدائن والآخر ميقات لأهل البصرة ، وقع ذلك في حديث لأنس عند الطبراني وإسناده ضعيف . ومنها : أن ذات عرق كانت أولا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فذات عرق والعقيق شيء واحد ، ويتعين الإحرام من العقيق ولم يقل به أحد وإنما قالوا يستحب احتياطا ، انتهى .

                                                                                                          فإن قلت : روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال : لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا : يا أمير المؤمنين إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حد لأهل نجد قرنا ، وهو جور عن طريقتنا وإنا إن أردنا قرنا شق علينا . قال فانظروا حذوها من طريقكم فحد لهم ذات عرق ، انتهى .

                                                                                                          والمراد من هذين المصرين الكوفة والبصرة كما صرح به شراح البخاري ، وهما سرتا [ ص: 483 ] العراق . فحديث ابن عمر يدل على أن عمر -رضي الله عنه- حد لأهل العراق ذات عرق باجتهاد منه . وحديث جابر وغيره يدل على أنها صارت ميقاتهم بتوقيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف التوفيق؟

                                                                                                          قلت : جمع بينهما بأن عمر -رضي الله تعالى عنه- لم يبلغه الخبر فاجتهد فيه فأصاب ووافق السنة .

                                                                                                          فإن قلت : قال ابن خزيمة : رويت في ذات عرق أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث ، وقال ابن المنذر لم نجد في ذات عرق حديثا ثابتا . وأما حديث جابر عند مسلم فهو مشكوك في رفعه . فالظاهر أن توقيت ذات عرق لأهل العراق باجتهاد عمر رضي الله عنه . قلت : قال الحافظ في الفتح : الحديث بمجموع الطرق يقوى . وأما حديث جابر فقد أخرجه أحمد في رواية ابن لهيعة وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد فلم يشكا في رفعه .




                                                                                                          الخدمات العلمية