الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          160 حدثنا علي بن حجر حدثنا إسمعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فقال قوموا فصلوا العصر قال فقمنا فصلينا فلما انصرفنا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حين انصرف ) أي العلاء بن عبد الرحمن ( وداره ) أي دار أنس بن مالك ( فقال قوموا [ ص: 423 ] فصلوا العصر ) وفي رواية مسلم " فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر؟ فقلنا له : إنما انصرفنا الساعة من الظهر . قال : فصلوا العصر " .

                                                                                                          ( تلك صلاة المنافق ) قال ابن الملك : إشارة إلى مذكور حكما ، أي صلاة العصر التي أخرت إلى الاصفرار ، وقال الطيبي : إشارة إلى ما في الذهن من الصلاة المخصوصة ، والخبر بيان لما في الذهن من الصلاة المخصوصة . قال النووي : فيه تصريح بذم تأخير صلاة العصر بلا عذر لقوله صلى الله عليه وسلم : جلس يرقب الشمس .

                                                                                                          ( يجلس يرقب الشمس ) أي ينتظرها جملة استئنافية بيان للجملة السابقة .

                                                                                                          ( حتى إذا كانت بين قرني الشيطان ) أي قربت من الغروب ، قال السيوطي في قوت المغتذي : قيل هو على حقيقته وظاهره والمراد يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذا عند طلوعها; لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له ، وقيل هو على المجاز والمراد بقرنيه علوه وارتفاعه وسلطانه وغلبة أعوانه وسجود مطيعيه من الكفار للشمس ، انتهى .

                                                                                                          ( فنقر أربعا ) من نقر الطائر الحبة نقرا أي التقطها ، قال في النهاية : يريد تخفيف السجود وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله . انتهى ، وقيل تخصيص الأربع بالنقر وفي العصر ثمان سجدات اعتبارا بالركعات .

                                                                                                          تنبيه : قال صاحب العرف الشذي ما لفظه : قوله " فنقر أربعا " هذا يدل على وجوب تعديل الأركان فإن الشريعة عدت السجدات الثمانية الخالية عن الجلسة أربع سجدات ، وعن أبي حنيفة من ترك القومة أو الجلسة أخاف أن لا تجوز صلاته ، انتهى .

                                                                                                          قلت : ومع هذا أكثر الأحناف ينقرون كنقر الديك ويتركون تعديل الأركان متعمدين ، بل إذا رأوا أحدا يعدل الأركان تعديلا حسنا فيظنون أنه ليس على المذهب الحنفي ، فهداهم الله تعالى إلى التعديل .

                                                                                                          تنبيه آخر : قال صاحب العرف الشذي ما لفظه : اعلم أن الأرض كروية اتفاقا فيكون طلوع الشمس وغروبها في جميع الأوقات ، فقيل : إن الشياطين كثيرة فيكون شيطان لبلدة وشيطان آخر لبلدة أخرى وهكذا ، وعلى كروية الأرض تكون ليلة القدر مختلفة وكذلك يكون نزول الله تعالى أيضا متعددا وظني أن سجدة الشمس بعد الغروب تحت العرش لا تكون متعددة ، بل تكون بعد دورة واحدة لا حين كل من الغوارب المختلفة بحسب تعدد البلاد ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 424 ] قلت : إن أراد بقوله إن الأرض كروية اتفاقا أن جميع أئمة الدين من السلف والخلف متفقون على كروية الأرض وقائلون بها فهذا باطل بلا مرية ، وإن أراد به اتفاق أهل الفلسفة وأهل الهيئة فهذا مما لا يلتفت إليه ، ثم ما فرع على كروية الأرض ففيه أنظار وخدشات فتفكر .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي .




                                                                                                          الخدمات العلمية