الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2946 حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي قال حدثني أبي عن مطرف عن أبي إسحق عن أبي بردة عن عبد الله بن عمرو قال قلت يا رسول الله في كم أقرأ القرآن قال اختمه في شهر قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال اختمه في عشرين قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال اختمه في خمسة عشر قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال اختمه في عشر قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال اختمه في خمس قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال فما رخص لي قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب يستغرب من حديث أبي بردة عن عبد الله بن عمرو وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عبد الله بن عمرو وروي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث وروي عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له اقرأ القرآن في أربعين وقال إسحق بن إبراهيم ولا نحب للرجل أن يأتي عليه أكثر من أربعين يوما ولم يقرأ القرآن لهذا الحديث وقال بعض أهل العلم لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث للحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ورخص فيه بعض أهل العلم وروي عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ القرآن في ركعة يوتر بها وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ القرآن في ركعة في الكعبة والترتيل في القراءة أحب إلى أهل العلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن مطرف ) بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد الراء المكسورة هو ابن طريف الكوفي ( عن أبي إسحاق ) هو عمرو بن عبد الله السبيعي .

                                                                                                          قوله : ( إني أطيق أفضل من ذلك ) أي أكثر من ذلك المذكور ( فما رخص لي ) أي في أقل من الخمس . وفي مسند الدارمي من طريق أبي فروة عن عبد الله بن عمرو . قال : قلت يا رسول الله في كم أختم القرآن ؟ قال ( اختمه في شهر ) . قلت إني أطيق ، قال : اختمه في خمسة عشر الحديث . [ ص: 218 ] وفي آخره قال : ( اختمه في خمس ) . قلت إني أطيق ، قال " لا " . وفي رواية للبخاري . قال " اقرأ القرآن في شهر " قلت إني أجد قوة ، حتى قال " فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك " . قال الحافظ : أي لا تغير الحال المذكورة إلى حالة أخرى فأطلق الزيادة والمراد النقص ، والزيادة هنا بطريق التدلي أي لا تقرأه في أقل من سبع . انتهى ، وسيأتي وجه الجمع .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح غريب ) وأخرجه الشيخان من وجوه أخرى بألفاظ ( وروي عن عبد الله بن عمرو عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ( لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ) وصله الترمذي في آخر هذا الباب . قال الحافظ في الفتح : وشاهده عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن ابن مسعود : اقرءوا القرآن في سبع ولا تقرءوه في أقل من ثلاث ، ولأبي عبيد من طريق الطيب بن سليمان عن عمرة عن عائشة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث ، وهذا اختيار أحمد وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه وغيرهم ، وثبت عن كثير من السلف أنهم قرءوا القرآن في دون ذلك قال النووي : والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يخل بالمقصود من التدبر وإخراج المعاني ، وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه ، ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة . انتهى ما في الفتح .

                                                                                                          ( وروي عن عبد الله بن عمرو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال له : ( اقرأ القرآن ) أي كله ( في أربعين ) أي يوما أو ليلة ووصله الترمذي فيما بعد ( وقال إسحاق بن إبراهيم ) هو إسحاق بن راهويه ( ولم يقرأ القرآن ) أي كله ( وقال بعض أهل العلم ( لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث ) تقدم أسماؤهم ( ورخص فيه بعض أهل العلم ) أي رخص بعضهم في أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث . قال [ ص: 219 ] محمد بن نصر في قيام الليل : وكان سعيد بن المسيب يختم القرآن في ليلتين ، وكان ثابت البناني يقرأ القرآن في يوم وليلة ويصوم الدهر . وكان أبو حرة يختم القرآن كل يوم وليلة ، وكان عطاء بن السائب يختم القرآن في كل ليلتين .

                                                                                                          ( وروي عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ القرآن في ركعة يوتر بها ) رواه محمد بن نصر في قيام الليل ، وروى الطحاوي بإسناده عن ابن سيرين قال : كان تميم الداري يحيي الليل كله بالقرآن كله في ركعة ، عن عبد الله بن الزبير أنه قرأ القرآن في ركعة ، وعن سعيد بن جبير أنه قرأ القرآن في ركعة في البيت ، وقال محمد بن نصر في قيام الليل : وخرج صالح بن كيسان إلى الحج فربما ختم القرآن مرتين في ليلة بين شعبتي رحله ، وكان منصور بن زاذان خفيف القراءة ، وكان يقرأ القرآن كله في صلاة الضحى ، وكان يختم القرآن بين الأولى والعصر ويختم في يوم مرتين ، وكان يصلي الليل كله ، وكان إذا جاء شهر رمضان ختم القرآن بين المغرب والعشاء ختمتين ثم يقرأ إلى الطواسين قبل أن تقام الصلاة . وكانوا إذ ذاك يؤخرون العشاء لشهر رمضان إلى أن يذهب ربع الليل . انتهى ما في قيام الليل بقدر الحاجة ، ولو تتبعت تراجم أئمة الحديث لوجدت كثيرا منهم أنهم كانوا يقرءون القرآن في أقل من ثلاث ، فالظاهر أن هؤلاء الأعلام لم يحملوا النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على التحريم ، والمختار عندي ما ذهب إليه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهما والله تعالى أعلم ( والترتيل في القراءة أحب إلى أهل العلم ) لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقرأ القرآن بالترتيل ، وكانت قراءته مفسرة حرفا حرفا واتباعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب وأولى .




                                                                                                          الخدمات العلمية