الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3040 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود حدثنا سليمان بن معاذ عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال خشيت سودة أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ففعل فنزلت فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز كأنه من قول ابن عباس قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا سليمان بن معاذ ) هو سليمان بن قرم بفتح القاف وسكون الراء ابن معاذ البصري النحوي ، ومنهم من ينسبه إلى جده ، سيئ الحفظ يتشيع من السابعة .

                                                                                                          قوله : ( خشيت سودة ) بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية ، تزوجها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة بعد موت خديجة ودخل عليها بها ، وكان دخوله بها قبل دخوله على عائشة بالاتفاق ، وهاجرت معه . وتوفيت في آخر خلافة عمر بن الخطاب ( أن يطلقها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت إلخ ) .

                                                                                                          [ ص: 320 ] قال الحافظ في الفتح بعد نقل هذا الحديث عن الترمذي : وله شاهد في الصحيحين من حديث عائشة بدون ذكر نزول الآية . انتهى .

                                                                                                          قلت : روى الشيخان عن عائشة : أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة . قال الحافظ في الفتح : ووقع في رواية مسلم من طريق عقبة بن خالد عن هشام : لما أن كبرت سودة وهبت وأخرج أبو داود هذا الحديث وزاد فيه بيان سببه أوضح من رواية مسلم ، فروى عن أحمد بن يونس عن عبد الرحمن بن أبي الزناد . عن هشام بن عروة بالسند المذكور : وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يفضل بعضنا على بعض في القسم الحديث وفيه : ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا رسول الله يومي لعائشة ، فقبل ذلك منها ففيها وأشباهها نزلت وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا الآية " إلى أن قال " فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت . وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي بزة مرسلا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طلقها فقعدت على طريقه فقالت : والذي بعثك بالحق ، ما لي في الرجال حاجة ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة فأنشدك بالذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها علي ؟ قال : ( لا ) قالت فأنشدك لما راجعتني فراجعها ، قالت : فإني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . انتهى .

                                                                                                          قلت : رواية ابن سعد هذه مرسلة فهي لا تقاوم حديث ابن عباس وما وافقه في أن سودة خشيت الطلاق فوهبت ( فلا جناح عليهما أن يصلحا ) من الإصلاح وهي قراءة الكوفيين ، وفي بعض النسخ : " أن يصالحا " من التصالح وهي قراءة الجمهور والآية بتمامها مع تفسيرها هكذا : وإن امرأة مرفوع بفعل يفسره خافت توقعت من بعلها زوجها نشوزا ترفعا عليها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينيه إلى أجمل منها أو إعراضا عنها بوجهه : " فلا جناح عليهما أن يصالحا " فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد ، وفي قراءة يصلحا من أصلح بينهما صلحا في القسم والنفقة ، بأن يترك لها شيئا لبقاء الصحبة فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها ، والصلح خير من الفرقة والنشوز والإعراض . قال تعالى في بيان ما جبل عليه الإنسان : وأحضرت الأنفس الشح شدة البخل ، أي جبلت عليه فكأنها حاضرته لا تغيب عنه . المعنى أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها ، والرجل لا يكاد يسمح عليها بنفسه إذا أحب غيرها ، وإن تحسنوا عشرة النساء وتتقوا الجور عليهنفإن الله كان بما تعملون خبيرا : [ ص: 321 ] فيجازيكم به ، كذا في الجلالين ، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز . وفي رواية أبي داود الطيالسي في مسنده : قال ابن عباس فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح غريب ) وأخرجه ابن المنذر والطبراني والبيهقي .




                                                                                                          الخدمات العلمية