الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3058 حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا عتبة بن أبي حكيم حدثنا عمرو بن جارية اللخمي عن أبي أمية الشعباني قال أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له كيف تصنع بهذه الآية قال أية آية قلت قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم قال عبد الله بن المبارك وزادني غير عتبة قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم قال بل أجر خمسين منكم قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا عتبة بن أبي حكيم ) الهمداني بسكون الميم أبو العباس الأردني بضم الهمزة والدال بينهما راء ساكنة وتشديد النون ، صدوق يخطئ كثيرا من السادسة ( حدثنا عمرو بن جارية ) بالجيم اللخمي شامي مقبول . وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته : يقال إنه عم عتبة بن أبي حكيم ، ذكره ابن حبان في الثقات له عندهم حديث واحد من رواية أبي أمية عن أبي ثعلبة : ( إذا رأيت شحا مطاعا ) ، الحديث ( عن أبي أمية الشعباني ) الدمشقي اسمه يحمد بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم ، وقيل بفتح أوله والميم ، وقيل اسمه عبد الله مقبول من الثانية .

                                                                                                          قوله : ( فقلت له كيف تصنع في هذه الآية ) وفي رواية أبي داود : كيف تقول في هذه الآية ، يعني ما معنى هذه الآية وما تقول فيها ، فإن ظاهرها يدل على أنه لا حاجة إلى الأمر والنهي بل على كل مسلم إصلاح نفسه ( أما ) 45 بالتخفيف حرف التنبيه ( لقد سألت ) بفتح التاء بصيغة الخطاب ( خبيرا ) أي عارفا وعالما بمعنى هذه الآية ( سألت ) بضم التاء بصيغة المتكلم ( بل ائتمروا ) أي امتثلوا ( بالمعروف ) أي ومنه الأمر به ( وتناهوا ) أي انتهوا واجتنبوا ( عن المنكر ) ومنه الامتناع عن نهيه أو الائتمار بمعنى التآمر ، كالاختصام بمعنى التخاصم ، ويؤيده التناهي . والمعنى ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف ، وتنه طائفة منكم طائفة عن المنكر .

                                                                                                          وقال الطيبي رحمه الله : قوله ( بل ائتمروا ) إضراب عن مقدر ، أي سألت عنها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ [ ص: 337 ] وقلت أما نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على ظاهر الآية ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " لا تتركوا بل ائتمروا بالمعروف " إلخ ( حتى إذا رأيت ) أي أيها المخاطب خطابا عاما . والمعنى إذا علمت الغالب على الناس " شحا مطاعا " أي بخلا مطاعا بأن أطاعته نفسك وطاوعه غيرك . قاله القاري .

                                                                                                          وفي النهاية : هو أشد البخل ، وقيل البخل مع الحرص ، وقيل البخل في أفراد الأمور وآحادها ، والشح عام ، وقيل البخل بالمال والشح بالمال وبالمعروف ( وهوى متبعا ) بصيغة المفعول ، أي وهوى للنفس متبوعا . وحاصله أن كلا يتبع هواه ( ودنيا ) بالقصر وهي عبارة عن المال والجاه في الدار الدنية ( مؤثرة ) أي مختارة على أمور الدين ( وإعجاب كل ذي رأي برأيه ) أي من غير نظر إلى الكتاب والسنة ، والإعجاب بكسر الهمزة هو وجدان الشيء حسنا ورؤيته مستحسنا بحيث يصير صاحبه به معجبا وعن قبول كلام الغير مجنبا وإن كان قبيحا في نفس الأمر ( فعليك بخاصة نفسك ) منصوب وقيل مرفوع ، أي فالواجب أو فيجب عليك حفظها من المعاصي . لكن يؤيد الأول- وهو أن يكون للإغراء بمعنى الزم خاصة نفسك- قوله ( ودع العوام ) أي اترك أمر عامة الناس الخارجين عن طريق الخواص ( فإن من ورائكم أياما ) أي قدامكم من الأزمان الآتية ( الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ) يعني يلحقه المشقة بالصبر في تلك الأيام كمشقة الصابر على قبض الجمر بيده ( يعملون مثل عملكم ) ، وفي رواية أبي داود : ( يعملون مثل عمله ) أي في غير زمانه ( قال لا بل أجر خمسين رجلا منكم ) قال في اللمعات : يدل على فضل هؤلاء في الأجر على الصحابة من هذه الحيثية ، وقد جاء أمثال هذا أحاديث أخر ، وتوجيهه كما ذكروا أن الفضل الجزئي لا ينافي الفضل الكلي .

                                                                                                          تكلم ابن عبد البر في هذه المسألة وقال : يمكن أن يجيء بعد الصحابة من هو في درجة بعض منهم أو أفضل ومختار العلماء خلافه . انتهى .

                                                                                                          وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : ليس هذا على إطلاقه بل هو مبني على قاعدتين :

                                                                                                          إحداهما : أن الأعمال تشرف بثمراتها ، والثانية أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوله [ ص: 338 ] وبالعكس ، لقوله عليه السلام : بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء من أمتي ، يريد المنفردين عن أهل زمانهم .

                                                                                                          إذا تقرر ذلك فنقول : الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه : لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه أي مد الحنطة .

                                                                                                          فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها ، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين وقلة أنصارهم ، فكان جهادهم أفضل ، ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها ، ولذلك قال عليه السلام : يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة فكذلك المتأخر في حفظ دينه ، وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر . فعلى هذا ينزل الحديث . انتهى ، كذا في مرقاة الصعود .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) وأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان .




                                                                                                          الخدمات العلمية