الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3076 حدثنا عبد بن حميد حدثنا أبو نعيم حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال أي رب من هؤلاء قال هؤلاء ذريتك فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال أي رب من هذا فقال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود فقال رب كم جعلت عمره قال ستين سنة قال أي رب زده من عمري أربعين سنة فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت فقال أولم يبق من عمري أربعون سنة قال أولم تعطها ابنك داود قال فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته وخطئ آدم فخطئت ذريته قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( فسقط من ظهره ) أي خرج منه ( كل نسمة ) أي ذي روح وقيل كل ذي نفس مأخوذة من النسيم قاله الطيبي ( هو خالقها من ذريته ) الجملة صفة نسمة و " من " بيانية ، وفي الحديث دليل بين على أن إخراج الذرية كان حقيقيا ( وبيصا ) أي بريقا ولمعانا ( من نور ) في ذكره إشارة إلى الفطرة السليمة وفي قوله . بين عيني كل إنسان إيذان بأن الذرية كانت على صورة الإنسان على مقدار الذر ( فأعجبه وبيص ما بين عينيه ) . أي سره ( هذا رجل من آخر الأمم ) جمع أمة ، والآخرية إضافية لا حقيقية ، فإن الآخرية الحقيقية ثابتة لأمة نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن المعلوم أن داود عليه السلام ليس منهم " يقال له داود " قيل تخصيص التعجب من وبيص داود إظهار لكرامته ومدح له فلا يلزم تفضيله على سائر الأنبياء لأن المفضول قد يكون له مزية بل مزايا ليست في الفاضل ، ولعل وجه الملاءمة بينهما اشتراك نسبة الخلافة ( قال ) أي آدم ( رب ) بحذف حرف النداء ( وكم جعلت عمره ) بضم العين والميم وقد تسكن ، وكم مفعول لما بعده ، وقدم لما له الصدر ، أي كم [ ص: 364 ] سنة جعلت عمره " زده من عمري " يعني من جملة الألف ، ومن عمري صفة أربعين قدمت فعادت حالا ( أربعين سنة ) مفعول ثان لقوله زده ، كقوله تعالى : رب زدني علما .

                                                                                                          قال أبو البقاء : زاد يستعمل لازما كقولك ، زاد الماء ، ويستعمل متعديا إلى مفعولين ، كقوله زدته درهما ، وعلى هذا جاء قوله تعالى فزادهم الله مرضا ( أولم يبق من عمري أربعون سنة ) بهمزة الاستفهام الإنكاري المنصب على نفي البقاء فيفيد إثباته وقدمت على الواو لصدارتها ، والواو استئنافية لمجرد الربط بين ما قبلها وما بعدها ( قال ) أي ملك الموت ( أولم تعطها ) أي أتقول ذلك ولم تعط الأربعين ( فجحد آدم ) أي ذلك لأنه كان في عالم الذر فلم يستحضره حالة مجيء ملك الموت له ( فجحدت ذريته ) لأن الولد سر أبيه ( فنسي آدم فنسيت ذريته ) كذا في النسخ الموجودة . ووقع في المشكاة ونسي آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذريته .

                                                                                                          قال القاري : قيل نسي أن النهي عن جنس الشجرة أو الشجرة بعينها ، فأكل من غير المعينة ، وكان النهي عن الجنس ( وخطئ ) بكسر الطاء من باب سمع يسمع أي أذنب وعصى .

                                                                                                          تنبيه : قد أخرج الترمذي حديث أبي هريرة هذا في آخر كتاب التفسير وفيه قال : يا رب من هذا . قال هذا ابنك داود وقد كتبت له عمر أربعين سنة قال يا رب زده في عمره . قال ذاك الذي كتب له . قال أي ربي فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة . قال أنت وذاك ، ثم أسكن الجنة ما شاء الله . ثم أهبط منها وكان آدم يعد لنفسه . قال فأتاه ملك الموت فقال له آدم : قد عجلت قد كتب لي ألف سنة . قال بلى ، ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة ، فهذه الرواية التي في آخر كتاب التفسير مخالفة لهذه الرواية التي في سورة الأعراف مخالفة ظاهرة .

                                                                                                          قال القاري : ويمكن الجمع بأنه حمل له من عمره أولا أربعين ثم زاد عشرين فصار ستين ، ونظيره قوله تعالى وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة وقوله تعالى : وإذ واعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة . ولا يبعد أن يتكرر مأتى عزرائيل عليه السلام للامتحان بأن جاء وبقي من عمره ستون ، فلما جحده رجع إليه بعد بقاء أربعين على رجاء أنه تذكر بعدما تفكر فجحد ثانيا ، وهذا أبلغ من باب النسيان والله المستعان .

                                                                                                          والأظهر أنه وقع شك للراوي وتردد في كون العدد أربعين أو ستين فعبر عنه تارة بالأربعين وأخرى بالستين ، ومثل هذا وقع من المحدثين ، وأجاب عنه بما ذكرنا بعض المحققين ، ومهما أمكن الجمع فلا يجوز القول [ ص: 365 ] بالوهم والغلط في رواية الحفاظ المتقنين .

                                                                                                          وأما ما قيل من أن ساعات أيام عمر آدم كانت أطول من زمان داود فموقوف على صحة النقل وإلا فبظاهره يأباه العقل كما حقق في دوران الفلك عند أهل الفضل . انتهى كلام القاري بلفظه . ثم قال : والحديث السابق- يعني الذي في تفسير سورة الأعراف- أرجح ، وكذا أوفق لسائر الأحاديث الواردة كما في الدر المنثور والجامع الكبير للسيوطي رحمه الله تعالى .

                                                                                                          قلت : كل ما ذكره القاري من وجوه الجمع مخدوش إلا الوجه الأخير ، وهو أن الحديث الذي في تفسير سوره الأعراف أرجح من الحديث الذي في آخر كتاب التفسير فهو المعتمد .

                                                                                                          ووجه كون الأول أرجح من الثاني ظاهر من كلام الترمذي فإنه قال بعد رواية الأول : هذا حديث حسن صحيح . وقال بعد رواية الثاني : هذا حديث حسن غريب وأيضا في سند الثاني سعيد بن أبي سعيد المقبري وكان قد تغير قبل موته بأربع سنين ، هذا ما عندي والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره .




                                                                                                          الخدمات العلمية