الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3307 حدثنا عبد بن حميد حدثنا أبو نعيم حدثنا يزيد بن عبد الله الشيباني قال سمعت شهر بن حوشب قال حدثتنا أم سلمة الأنصارية قالت قالت امرأة من النسوة ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه قال لا تنحن قلت يا رسول الله إن بني فلان قد أسعدوني على عمي ولا بد لي من قضائهن فأبى علي فأتيته مرارا فأذن لي في قضائهن فلم أنح بعد قضائهن ولا على غيره حتى الساعة ولم يبق من النسوة امرأة إلا وقد ناحت غيري قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وفيه عن أم عطية رضي الله عنها قال عبد بن حميد أم سلمة الأنصارية هي أسماء بنت يزيد بن السكن

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا يزيد بن عبد الله الشيباني ) أبو عبد الله الكوفي ، ثقة من كبار السابعة . قوله : ( ما هذا المعروف ) أي الذي وقع في قوله تعالى : ولا يعصينك في معروف ، ( الذي لا ينبغي لنا ) أي لا يجوز لنا ( أن نعصيك فيه ) أي في هذا المعروف ( قال ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تنحن ) من النوح وهو البكاء على الميت وتعديد محاسنه ، وقيل النوح بكاء مع الصوت ومنه ناح الحمام نوحا ( قد أسعدوني على عمي ) من الإسعاد وهو إسعاد النساء في المناحة تقوم المرأة فتقوم معها أخرى من جاراتها فتساعدها على النياحة ، قال الخطابي : الإسعاد خاص في هذا المعنى ، وأما المساعدة فعامة في كل معونة ( ولا بد لي من قضائهم ) أي من أن أجزيهم ( فأبى ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يأذن لي في قضائهم ( فعاتبته ) أي راجعته وعاودته ( فأذن لي في قضائهن ) فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأم سلمة الأنصارية في إسعادهن وكذلك رخص أيضا لأم عطية كما في حديثها عند الشيخين وغيرهما ولفظ مسلم قالت : لما نزلت هذه الآية يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يعصينك في معروف قالت كان منه النياحة ، قالت : فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي أن أسعدهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا آل فلان " . قال النووي هذا محمول على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة كما هو ظاهر ولا تحل النياحة لغيرها ولا لها في غير آل فلان كما هو صريح في الحديث ، وللشارع أن يخص من العموم ما شاء فهذا صواب الحكم في هذا الحديث .

                                                                                                          واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالا عجيبة ومقصودي التحذير من الاغترار بها حتى إن بعض المالكية قال : النياحة ليست بحرام بهذا الحديث وقصد نساء جعفر . قال وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية كشق الجيوب وخمش الخدود ودعوى الجاهلية ، والصواب ما ذكرناه أولا وأن النياحة حرام مطلقا وهو مذهب العلماء كافة وليس فيما قاله هذا القائل دليل صحيح لما ذكره انتهى .

                                                                                                          [ ص: 146 ] قلت : دعوى تخصيص الترخيص بأم عطية رضي الله عنها غير صحيحة فقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة الأنصارية كما في حديثها هذا ، وأخرج ابن مردويه من حديث ابن عباس . قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء فبايعهن أن لا يشركن بالله شيئا الآية قالت خولة بنت حكيم : يا رسول الله كان أبي وأخي ماتا في الجاهلية وإن فلانة أسعدتني وقد مات أخوها ، الحديث ، وأخرج أحمد والطبري من طريق مصعب بن نوح قال : أدركت عجوزا لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فأخذ علينا " ولا تنحن " فقالت عجوز يا نبي الله إن ناسا كانوا أسعدونا على مصائب أصابتنا وإنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أن أسعدهم . قال " فاذهبي فكافئيهم " قالت فانطلقت فكافأتهم ثم إنها أتت فبايعته . قال الحافظ والأقرب إلى الصواب أن النياحة كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم تحريم . وقال العيني : والجواب الذي هو أحسن الأجوبة وأقربها أن يقال إن النهي ورد أولا للتنزيه ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم فيكون الإذن الذي وقع لمن ذكر في الحالة الأولى ثم وقع التحريم وورد الوعيد الشديد في أحاديث كثيرة انتهى قوله : ( وفيه عن أم عطية ) أخرج حديثها الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية