الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3707 حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا العلاء بن عبد الجبار حدثنا الحارث بن عمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أبو بكر وعمر وعثمان قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه يستغرب من حديث عبيد الله بن عمر وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن ابن عمر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا العلاء بن عبد الجبار العطار ) الأنصاري مولاهم البصري نزيل مكة ثقة من التاسعة ( أخبرنا الحارث بن عمير ) أبو عمير البصري نزيل مكة من الثامنة ، وثقه الجمهور ، وفي أحاديثه مناكير ضعفه بسببها الأزدي وابن حبان وغيرهما فلعله تغير حفظه في الآخر كذا في التقريب ( عن عبيد الله بن عمر ) هو العمري . قوله : ( ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي ) جملة حالية معترضة بين القول قوله ( أبو بكر وعمر وعثمان ) أي : على هذا الترتيب عند ذكرهم وبيان أمرهم -رضي الله عنهم- وروى البخاري من وجه آخر عن ابن عمر : كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ، قال الحافظ : قوله كنا نخير أي : نقول : فلان خير من فلان ، قال : وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع الآتية في مناقب عثمان : كنا لا نعدل بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا نفاضل بينهم ، وقوله : لا نعدل بأبي بكر أي : لا نجعل له مثلا ، ولأبي داود من طريق سالم عن ابن عمر : كنا نقول ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي : أفضل أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان . زاد الطبراني في رواية فيسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك فلا ينكره ، وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة ، وذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان ، وممن قال به سفيان الثوري ، ويقال : إنه رجع عنه ، وقال به ابن خزيمة وطائفة قبله وبعده ، وقيل : لا يفضل أحدهما على الآخر ، قاله مالك في المدونة وتبعه جماعة منهم يحيى القطان ، ومن المتأخرين ابن حزم ، وحديث الباب حجة للجمهور . انتهى . قلت : المذهب المنصور في هذا الباب هو مذهب الجمهور .

                                                                                                          فإن قلت : قوله : ثم نترك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا نفاضل بينهم يدل بظاهره عن أن عليا ليس بأفضل ممن سواه ، والأمر ليس كذلك فإن مذهب أهل السنة أن عليا أفضل الناس بعد الثلاثة [ ص: 139 ] وعليه الإجماع ، قلت : أجاب ابن عبد البر بأن قوله : ثم نترك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلخ غلط إن كان سنده صحيحا ، قال الحافظ : قد طعن فيه ابن عبد البر واستند إلى ما حكاه عن هارون بن إسحاق قال : سمعت ابن معين يقول : من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقيته وفضله فهو صاحب سنة ، قال : فذكرت له من يقول أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ ، وتعقب بأن ابن معين أنكر رأي قوم ، وهم العثمانية الذين يغالون في حب عثمان وينتقصون عليا ، ولا شك في أن من اقتصر على ذلك ولم يعرف لعلي بن أبي طالب فضله فهو مذموم ، وتعقب أيضا بأنه لا يلزم من سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله عدم تفضيله على الدوام وبأن الإجماع المذكور إنما حدث بعد الزمن الذي قيده ابن عمر فيخرج حديثه عن أن يكون غلطا ثم لم ينفرد بهذا القول نافع عن ابن عمر ، بل تابعه ابن الماجشون أخرجه خيثمة من طريق يوسف بن الماجشون عن أبيه عن ابن عمر كنا نقول في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أبو بكر وعمر وعثمان ثم ندع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا نفاضل بينهم ، ومع ذلك فلا يلزم من تركهم التفاضل إذ ذاك أن لا يكونوا اعتقدوا بعد ذلك تفضيل علي على من سواه ، وقد اعترف ابن عمر بتقديم علي على غيره ، فقد أخرج أحمد عنه قال : كنا نقول في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر ولقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : زوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته وولدت له ، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر ، وإسناده حسن وقد اتفق العلماء على تأويل كلام ابن عمر ثم نترك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلخ لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك ، فالظاهر أن ابن عمر إنما أراد بهذا النفي أنهم كانوا يجتهدون في التفضيل ليظهر لهم فضائل الثلاثة ظهورا بينا فيجزمون به ولم يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص . انتهى كلام الحافظ ملخصا . قوله : ( وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن ابن عمر ) رواه البخاري وغيره بألفاظ .




                                                                                                          الخدمات العلمية